‫الرئيسية‬ الأولى وثيقة فرنسية سرية تؤكد: هكذا أمرت فرنسا تعذيب الجزائريين!
الأولى - الوطني - 18 مارس، 2025

وثيقة فرنسية سرية تؤكد: هكذا أمرت فرنسا تعذيب الجزائريين!

وثيقة فرنسية سرية تؤكد: هكذا أمرت فرنسا تعذيب الجزائريين!
تجد العلاقات بين الجزائر وفرنسا نفسها مجددًا في مواجهة تطور مثير يعيد إلى الأذهان حقائق مريرة من الماضي كانت الكثير من الأطراف تفضل إخفاءها. فقد تم مؤخرًا اكتشاف وثيقة سرية للغاية، مؤرخة في 11 مارس 1957، وقع عليها الجنرال الفرنسي راؤول سالان. هذه الوثيقة، التي جرى استخراجها من الأرشيف الفرنسي، تكشف بما لا يدع مجالًا للشك أن التعذيب كان جزءًا من سياسة ممنهجة ومعتمدة من قبل الجيش الفرنسي خلال حرب الجزائر، وهو ما يفتح ملفًا مؤلمًا يعكس إحدى أسوأ فترات الاستعمار الفرنسي في الجزائر.

وفقًا للتحقيق الذي نشرته صحيفة “ميديابارت” الفرنسية، لا تترك الوثيقة أي مجال للتشكيك. فالتعذيب لم يكن مجرد تصرفات معزولة من بعض العسكريين الفرنسيين في خضم صراع دموي فحسب، بل كان سياسة متكاملة، منظمة ومدعومة من أعلى مستويات القيادة العسكرية والسياسية في فرنسا. الوثيقة التي وقعها الجنرال سالان تحت عنوان “استجواب المشتبه فيهم” لم تكن سوى غطاء للتعذيب الوحشي الذي تعرض له المعتقلون، بهدف الحصول على معلومات حول جبهة التحرير الوطني الجزائرية.

توصي الوثيقة صراحة باستغلال عمليات الاستجواب إلى أقصى حد من خلال تعذيب المعتقلين جسديًا ونفسيًا، بهدف إلحاق أقسى أنواع الألم بهم. التعليمات كانت واضحة وتُنفذ بشكل سري للغاية، حيث كانت تُنقل شفهياً للمجموعات العسكرية المعنية، لتفادي وجود أي أدلة مكتوبة يمكن أن تفضح هذه السياسات الوحشية. كما أن الأساليب التي تم استخدامها كانت مستوحاة من تجارب الجيش الفرنسي في الهند الصينية، وأُدرِجت العديد من أساليب التعذيب في شوارع الجزائر وكهوفها في عام 1957، بما في ذلك “تقنيات” التحقير الجسدي، والحرمان من الحواس.

التعذيب كان سياسة رسمية ولها تغطية قانونية

ما يكشف عنه هذا الاكتشاف ليس مقتصرًا على وثيقة واحدة، بل هناك سلسلة من التعليمات المماثلة التي أصدرها ضباط كبار مثل الجنرال آلارد والجنرال ماسو، والتي كانت تهدف إلى نشر هذه الممارسات عبر كافة مناطق الجزائر. والأهم من ذلك أن الحكومة الفرنسية آنذاك، برئاسة رئيس الوزراء الاشتراكي جي موليه، كانت على علم تام بهذه السياسات، بل أصدرت قانون “الصلاحيات الخاصة” في عام 1956 الذي منح الجيش الفرنسي الصلاحية للاعتقال والاستجواب دون الحاجة إلى تقديم أي مبررات قضائية أو رقابة قانونية.

تأتي هذه الوثيقة لتوثق حقيقة لا يمكن إنكارها كانت تسعى بعض الأطراف في فرنسا لتقليص أهميتها أو محوها. فالتعذيب لم يكن مجرد حالات فردية، بل كان جزءًا من النظام العسكري الفرنسي في الجزائر، وهو ما يجعل من الضروري على فرنسا أن تتحمل مسؤوليتها عن هذه الجرائم ضد الإنسانية. بالنسبة للجزائر، تُعد هذه الوثيقة بمثابة دليل إضافي على المعاناة الهائلة التي خاضها الشعب الجزائري طوال سنوات الاستعمار. وعليه، فإن الجزائر تطالب اليوم بالاعتراف الرسمي بهذه الجرائم التاريخية وبالعدالة للملايين الذين عانوا منها.

لا تزال الأسرة الجزائرية التي عاشت ويلات التعذيب تبحث عن اعتراف من الدولة الفرنسية بمسؤوليتها عن هذه الانتهاكات. ورغم بعض الخطوات التي اتخذها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في عام 2018 من خلال الاعتراف باغتيال موريس أودين، أحد الناشطين المساندين لاستقلال الجزائر، إلا أن الاعتراف الرسمي بالتعذيب كسياسة ممنهجة لا يزال يمثل محط رفض رسمي.

من الواضح أن هذه الاكتشافات ستؤثر بشكل عميق على العلاقات الثنائية بين الجزائر وفرنسا. فالمطالبة الجزائرية باعتراف فرنسي رسمي بالجرائم الاستعمارية باتت أكثر إلحاحًا. هذه الوثيقة تكشف مجددًا للعالم أجمع عن وحشية الاستعمار الفرنسي وتسلط الضوء على ضرورة تصحيح التاريخ من خلال الاعتراف بالجرائم المرتكبة.

أما في فرنسا، فقد تنوعت ردود الأفعال بين الاستنكار والإنكار. فهناك من يحاول التقليل من شأن هذه الاكتشافات، وخاصة في صفوف بعض الأوساط العسكرية أو أولئك الذين لا يزالون يؤمنون بمفهوم “الجزائر الفرنسية”. لكن بمرور الوقت، بدأ الكثير من الفرنسيين يدركون خطورة ما حدث في الجزائر خلال تلك الحقبة، وإن كانت الاعترافات الرسمية لا تزال قضية خلافية.

هذه الوثيقة السرية التي تم الكشف عنها تعكس واقعًا تاريخيًا لا يمكن التغاضي عنه أو إنكاره. الجزائر اليوم تطالب بالعدالة وتحقيق الاعتراف بالجرائم التي ارتكبت بحق شعبها، وهو ما يجعل هذه الوثيقة نقطة تحول مهمة في مسار العلاقات الفرنسية الجزائرية. فرنسا، من جانبها، يجب أن تواجه حقيقة ماضيها الاستعماري المظلم وأن تعترف بجرائمها ضد الإنسانية. التعذيب كان جزءًا من سياسة رسمية اتبعها الجيش الفرنسي في الجزائر، ويجب على فرنسا أن تتحمل مسؤوليتها تجاه هذه الانتهاكات. الجزائر، من جهتها، تواصل مطالبتها بالعدالة والاعتراف بهذه الحقائق المؤلمة، وتؤكد أنه لا سبيل إلى المصالحة دون الاعتراف الكامل بما حدث.


اكتشاف المزيد من المؤشر

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

اترك تعليق

‫شاهد أيضًا‬

اليمين المتطرف يهاجم الطلبة الجزائريين في فرنسا!

تعيش فرنسا منذ أسابيع على وقع جدل جديد أثارته بعض الأوساط اليمينية المتطرفة التي وجّهت سها…