وفد من المؤسسة الوطنية النووية الصينية في وزارة الطاقة والمناجم.. تعاون استراتيجي يفتح آفاق جديدة للنووي السلمي في الجزائر
استقبلت وزارة الطاقة والمناجم الجزائرية، اليوم الأحد، وفداً من المؤسسة الوطنية النووية الصينية (CNNC) بقيادة نائب رئيس المؤسسة كياو غانغ. تمحورت الزيارة حول بحث فرص التعاون بين الجزائر والصين في مجال التكنولوجيا النووية الطبية، بما في ذلك استخدام التطبيقات النووية لأغراض التشخيص الطبي وعلاج الأمراض المستعصية، وفقاً لبيان الوزارة. وقد حضر اللقاء الأمين العام لوزارة الطاقة والمناجم، عبد الكريم عويسي، إلى جانب محافظ الطاقة الذرية عبد الحميد ملاح، وعدد من الإطارات العليا بالوزارة.
تركزت المحادثات على تطوير التعاون في مجال التكنولوجيا النووية للاستخدامات الطبية، وخاصة في إجراءات التصوير التشخيصي والعلاج بالأشعة، وهي مجالات يتزايد الطلب عليها لمكافحة الأمراض الخطيرة مثل السرطان. ومن المشاريع الرئيسية التي تمت مناقشتها مشروع مشترك لإنتاج المواد الصيدلانية المشعة على مستوى مركز البحث النووي ببيرين (CNRB) بولاية الجلفة، والذي يأتي ضمن خطة استراتيجية تهدف إلى توجيه استثمارات الجزائر في تقنيات التطبيقات النووية نحو الاستخدامات الطبية.
وأشار البيان إلى أن هذا المشروع يعد خطوة نوعية في مواجهة مرض السرطان باستخدام التكنولوجيا النووية المتطورة التي توفرها المؤسسة الوطنية النووية الصينية، مما سيمكن الجزائر من إنتاج مستحضرات إشعاعية طبية محلياً. من المتوقع أن يكون هذا المشروع دعماً كبيراً لقطاع الصحة الجزائري، ويوفر إمكانيات تشخيصية وعلاجية جديدة لمواجهة التحديات الصحية المتزايدة.
استعراض التعاون السابق وآفاقه المستقبلية
خلال اللقاء، استعرض الطرفان تاريخ التعاون بين محافظة الطاقة الذرية الجزائرية والمؤسسة الوطنية النووية الصينية (CNNC) في مجال الطاقة النووية السلمية. وشدد البيان على أن هذا التعاون يمتد إلى عدة مجالات، منها الاستخدامات النشطة وغير النشطة للطاقة النووية، وإمكانيات تعزيز هذا التعاون مستقبلاً. كما تم استعراض حالة التعاون الحالي بين الخبراء الجزائريين والصينيين، وتم وضع خطة عمل واضحة تشمل كافة الاستخدامات العلمية والتقنية للتكنولوجيا النووية، مع التركيز على تطبيقاتها الطبية لمكافحة الأمراض الخطيرة.
يأتي هذا اللقاء في سياق سلسلة من المباحثات الثنائية التي أجراها وزير الطاقة الجزائري، محمد عرقاب، في الأشهر الأخيرة مع شركاء دوليين، من بينهم نائب رئيس CNNC، شانغ يانغ فانغ. وتركزت هذه المباحثات على البرنامج النووي المدني الجزائري وآفاق تطويره بالتعاون مع الصين وروسيا، حيث استقبل الوزير وفداً من شركة “روساتوم” الروسية في مارس 2023، لمناقشة التعاون في تطوير الطاقة النووية للأغراض السلمية.
البرنامج النووي المدني.. حلم جزائري قديم
يُعد البرنامج النووي المدني في الجزائر مشروعاً قديماً يعود إلى الثمانينيات، حيث أُنشئ أول مركز بحثي للتكنولوجيا النووية في الجزائر في عام 1996 تحت اسم “محافظة الطاقة الذرية”، وأسندت إليه مهمة صياغة استراتيجيات تطوير الطاقة النووية وتقنياتها. ومنذ ذلك الحين، طورت الجزائر عدة مراكز بحث نووية تشمل مرافق أساسية، ومختبرات للأبحاث والتطوير، ومنشآت للتكوين وتدريب الكوادر. كما أنشأت الجزائر مفاعل “السلام” بقدرة إنتاجية تبلغ نحو 1 ميغاواط، بالإضافة إلى وحدة تطوير عناصر الوقود النووي وحلقات اختبار تأهيل الوقود النووي.
في الألفية الثالثة، وضعت الجزائر خطة لبناء محطات نووية لتوليد الكهرباء، حيث أعلن وزير الطاقة آنذاك، شكيب خليل، في عام 2009 عن خطة لبناء أول محطة نووية للأغراض التجارية بحلول عام 2020، على أن يتبعها بناء محطة جديدة كل خمس سنوات. وفي عام 2013، أكد وزير الطاقة يوسف يوسفي التزام الجزائر بإنشاء أول محطة للطاقة النووية بحلول عام 2025.
تسعى الجزائر اليوم لتحقيق هذا الطموح، إذ يسعى وزير الطاقة الحالي محمد عرقاب لتأمين شراكات استراتيجية مع دول نووية، مثل روسيا والصين، التي تُعدّ من أبرز الشركاء الدوليين للجزائر في هذا المجال. وتهدف هذه الشراكات إلى توفير الكهرباء النووية وتنويع مصادر الطاقة في الجزائر، التي تعتمد بشكل شبه كامل على الغاز الطبيعي.
موارد اليورانيوم والأهداف الاستراتيجية
وفقاً للخبير الجزائري عبد الرحمن مبتول، تمتلك الجزائر احتياطيات من اليورانيوم تُقدر بحوالي 29 ألف طن، ما يكفي لتشغيل محطتين نوويتين بقدرة إنتاجية تعادل 1000 ميغاواط لكل محطة، لمدة قد تصل إلى 60 عاماً. ويرى مبتول أن الجزائر من خلال توجهها إلى تطوير الطاقة النووية المدنية، تسعى إلى تحسين كفاءة استخدام الطاقة وترشيد الاستهلاك لتلبية الطلب المتزايد.
ويعتبر هذا المشروع واعداً بالنظر إلى الإمكانيات التي تمتلكها الجزائر، من احتياطيات طبيعية وبنية تحتية للطاقة النووية، وتطلعات استراتيجية لتطوير هذا القطاع.
طموحات عربية نحو الطاقة النووية
لا يقتصر طموح الجزائر على مجال الطاقة النووية السلمية، فعدة دول عربية تسعى إلى دخول نادي الطاقة النووية، منها الإمارات، التي دشنت محطة براكة للطاقة النووية في 2021 بقدرة توليد تصل إلى 5600 ميغاواط، والمملكة العربية السعودية، التي أعلنت عن نيتها تأسيس محطة نووية لتحقيق التنمية المستدامة، وفق رؤية 2030. كما انطلقت مصر في بناء محطة الضبعة النووية بتعاون مصري روسي، وتخطط المغرب أيضاً لدخول هذا المجال عبر توقيع اتفاقيات تعاون مع روسيا لإنشاء مفاعل نووي تجريبي.
بفضل التعاون الجزائري-الصيني المستمر في المجال النووي، ومع التوجه الحكومي الواضح لتحقيق الاستفادة من هذه الشراكات الاستراتيجية، تسير الجزائر بخطى ثابتة نحو تحقيق طموحاتها في تنويع مصادر الطاقة ودعم قطاع الصحة، بما يضعها في مصاف الدول الطامحة لتطوير قدرات الطاقة النووية السلمية الموجهة للاستخدامات الطبية والتقنية المتقدمة.
اكتشاف المزيد من المؤشر
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
القضاء يطوي صفحة ساركوزي.. أول رئيس فرنسي يدخل السجن يوم 21 أكتوبر
يدخل نيكولا ساركوزي التاريخ من أوسع أبوابه، لا كرجل دولة استثنائي كما أراد لنفسه ذات يوم، …