‫الرئيسية‬ الأولى يد الغدر المروكية تمتد لنا من جديد
الأولى - الوطني - مقالات - 30 يوليو، 2025

يد الغدر المروكية تمتد لنا من جديد

يد الغدر المروكية تمتد لنا من جديد
تعود عبارة “اليد الممدودة” إلى خطاب ملك المروك، بعد أن غابت عن عدة خطابات سابقة، حين كان النظام المروكي يعتقد أن تحالفاته الدولية تمكّنه من تخويف الجزائر والتغلب عليها حتى عسكريًا. لكن يبدو أن التطورات الأخيرة دفعت كاتب الخطاب الملكي إلى إعادة استخدام تلك “الكلمة السر” الموجهة للرأي العام المحلي والدولي، ليُظهر النظام نفسه في صورة الدولة غير العدوانية.

في المرة السابقة، وردت نفس العبارة في خطاب ملك المروك، مع إشارة إلى وقف الحملات الإعلامية العدائية التي يقودها أعوان الحموشي. لكن لم تمر أيام معدودة حتى عادت الحملات ضد الجزائر، وبشكل أقذر مما كانت عليه، بل واتسعت لتشمل شبكة عملاء المخابرات المروكية، التي تُعرف باسم “الحركى 2.0″، فازدادت حدّةً وضراوة.

العلاقات المقطوعة بين الجزائر والمروك لا يمكن أن تعود لمجرد ظهور عبارة “اليد الممدودة” في الخطاب الرسمي. فالمروك ليس دولة جادة تحترم القانون الدولي، ولا حتى قوانينه المحلية التي تُنشر في الجريدة الرسمية. والدليل أن الملك محمد السادس لا يزال يحتفظ في مكتبه بخريطة تسيء للحدود الجزائرية-المروكية المتفق عليها والمنشورة في الجريدة الرسمية لشهر جوان 1973. فكيف يمكن للجزائر أن تثق في بلد لا يحترم الاتفاقات، وتُثبت أطماعه التوسعية شهادات مثل شهادة النائب الجمهوري الأمريكي السابق، ومستشار الأمن القومي في عهد ترامب، جون بولتون، الذي فضح المخططات التوسعية المروكية على حساب الجزائر وموريتانيا والصحراء الغربية والسنغال؟ هذا بلد لا يحترم حتى ما يصرّح به علنًا.

الجزائر، حين رسمت حدودها مع المروك، قبلت بمرجعية اتفاقية لالة مغنية، رغم أنها اتفاقية اقتطع فيها الاستعمار الفرنسي أراضي جزائرية شاسعة وضمّها للمروك، لأن تلك المناطق كانت تضم قبائل جزائرية ثائرة حملت السلاح ضد الاستعمار الفرنسي، كقبائل أولاد سيدي الشيخ، فلجأ الاستعمار إلى حيلة تقضي بتقسيمها. وقد تم توزيع تلك المناطق بين الجزائر والمروك ضمن اتفاقية لالة مغنية، بهدف القضاء على تمردها ونضالها المسلح، وكانت الأراضي المضمومة تمتد من منطقة السعدية ووجدة إلى قبائل تافيلالت الجزائرية. وهذا ما يفسر الانتشار الواسع لاسم عائلة “فيلالي” في الجزائر.

سياسة المروك تجاه الجزائر كانت دومًا قائمة على الخداع والمؤامرات. ونتذكر حادثة فرض التأشيرة بعد تفجيرات مراكش، وتصريح الراحل إدريس البصري الذي اتهم فيه المخابرات الجزائرية زورًا، في محاولة لتقديم الجزائر كدولة إرهابية، تزامنًا مع فترة العشرية السوداء، وهو نفس الخطاب الذي رددته فرنسا لتقليل من تضحيات أفراد الجيش الوطني الشعبي، بعبارة “لا نعرف من يقتل من”، وهي عبارة صاغتها المخابرات الفرنسية ويكررها حتى اليوم بعض الحركى الجدد.

ورغم أن العدالة المروكية لم تثبت يومًا أن المخابرات الجزائرية كانت خلف تلك التفجيرات، فإن مملكة ما بين الوادين لم تقدم أي اعتذار رسمي عن تلك التهم وما خلفته من ضرر نفسي ومعنوي لمواطنينا. إدريس البصري نفسه حاول التواصل مع الجزائر بعد أن طرده الملك محمد السادس، بسبب تقاريره المرفوعة إلى الملك الحسن الثاني حول تجاوزات ولي العهد، والتي تسببت له في عقوبات من والده. وقد انتقم منه محمد السادس وطرده شر طردة. ومع ذلك، رفضت الجزائر محاولته للتقارب، حتى بعدما اقترح أن يُصرّح بأن الصحراء ليست مروكية. ومات صانع الأزمة بمرارة فشله.

الرئيس زروال رد على التهور المروكي بغلق الحدود، وأتمنى أن تبقى كذلك إلى الأبد، بعد انخراط المروك في تحالف سياسي وعسكري عدائي ضد الجزائر وشعبها. وما زلت أذكر الاجتماعات في إطار “الحوار المتوسطي” بين الناتو ودول جنوب المتوسط، حيث كانت الكراهية والحقد ضد الجزائر حاضرة دائمًا في تصريحات ممثلي المروك والكيان الصهيوني، إلى أن تولت الجزائر مناصب دولية وأسكَتت الجميع. العداء المروكي للجزائر مستمر، ولم تفوّت المملكة فرصة للطعن فيها، سواء بسبب أو بدونه.

عبارة “اليد الممدودة” هي لفظ فارغ من أي محتوى سياسي حقيقي، ولا يمكن اعتبارها موقفًا نزيهًا يعكس تحوّلًا في سياسات المملكة. هو مجرد تعبير من قاموس مملكة ما بين الوادين، الذي يعجز حتى المتتبعون والمفاوضون عن فهم معانيه ومقاصده المخزنية.

اليد الممدودة أُضيفت هذه المرة إلى الخطاب الملكي بعد أن اختلّت موازين القوى التي كان يعوّل عليها المروك، ولم تعد في صالحه، ولن تعود، بعد أن حققت الجزائر اختراقات دبلوماسية وسياسية عالمية بفضل الرؤية الثاقبة للرئيس تبون، والذي نأمل أن يعززها داخليًا من خلال تأسيس جبهة وطنية تحمي تلك المكاسب. الجزائر اليوم لها كلمة مسموعة عالميًا، ولم تعد تمرّ عبر باريس، التي كان المروك يعوّل عليها. فقد أصبحت عواصم مثل روما، برلين، مدريد، بكين، موسكو، واشنطن، والقاهرة، والرياض، وطهران أكثر أهمية واحترامًا للجزائر من باريس.

اليد الممدودة، إذًا، مجرد مصطلح عبثي يُواجه به نظام توسعي يدعم حركة الماك بكل إمكاناته، لمحاولة زعزعة استقرار الجزائر ردًا على دعمها لجبهة البوليساريو. وينسى أن الملك الحسن الثاني نفسه صرّح لعبد السلام جلود بأن الصحراء ليست مروكية، وقد ذكرها جلود – ثاني شخصية سياسية في ليبيا القذافي – في مذكراته، في تصريح مسجّل. فكيف يُلام الشعب الجزائري على دعم الصحراويين، بينما ملكهم الراحل نفسه لم يعتبرها أراضيه؟

إن الجزائر ترد على خبث مملكة ما بين الوادين، وهي مملكة توسّعية لم تعترف يومًا بحدودها الطبيعية، وادي ملوية شمالًا، ووادي نون جنوبًا. والرد الجزائري يكون بدعم القوى الوطنية الحرة في الريف، التي تربطنا بها علاقات نضالية مشتركة، وعلى رأسها الأمير عبد الكريم الخطابي. إن الردود الصارمة من الجزائر تجاه باريس والرباط هي التي دفعت بالمروك إلى إعادة عبارة “اليد الممدودة” إلى خطابه الرسمي. فأي يد ممدودة تُمدّ لنا؟ أهي يد صداقة كاذبة، أم يد غدر تاريخية أبدية؟


اكتشاف المزيد من المؤشر

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

اترك تعليق

‫شاهد أيضًا‬

الجزائر لا تُنسى… ومن يتجاهلها يُخطئ في حقّ الوفاء

صرّح ممثل حركة “حماس” في الجزائر، للإذاعة الجزائرية الدولية، بشأن التصريحات ال…