‫الرئيسية‬ الأولى 267 دولارًا… هل يكفي؟ الجزائر بين ضغط المعيشة وتفاؤل الاقتصاد
الأولى - اقتصاد - مال واعمال - 25 مايو، 2025

267 دولارًا… هل يكفي؟ الجزائر بين ضغط المعيشة وتفاؤل الاقتصاد

267 دولارًا… هل يكفي؟ الجزائر بين ضغط المعيشة وتفاؤل الاقتصاد
كشفت دراسة حديثة، نُشرت في مايو 2025، عن تباينات واضحة في الرواتب الشهرية المتوسطة في دول منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا (MENA)، مسلّطة الضوء على واقع اقتصادي غير متوازن بين دول الخليج الثرية والدول العربية الأخرى. وجاءت الجزائر في المرتبة الثانية عشرة إقليميًا، براتب شهري متوسط يقدَّر بـ267 دولارًا فقط، ما يضعها في النصف السفلي من التصنيف، خلف ليبيا (275 دولارًا)، ولكن متقدمة على مصر (137 دولارًا).

هذا التصنيف، الذي استند إلى معطيات عرضتها قناة الجزيرة عبر إنفوجرافيك مفصل، بيّن أن قطر تصدّرت القائمة بمتوسط راتب شهري بلغ 3937 دولارًا، تلتها الإمارات العربية المتحدة (3502 دولارًا)، ثم الكويت (2025 دولارًا)، بينما جاءت السعودية رابعة براتب متوسط قدره 2001 دولار، مدعومًا بإصلاحات طموحة في إطار رؤية “2030”.

اللافت في الدراسة هو صعود فلسطين إلى المركز الخامس براتب متوسط بلغ 633 دولارًا، وهو ما فُسّر بانتشار فرص العمل لدى المنظمات الدولية والمؤسسات الرسمية التي تمنح رواتب أعلى نسبيًا.

أما الجزائر، رغم امتلاكها واحدة من أكبر الاحتياطات النفطية والغازية في المنطقة، فإن متوسط الرواتب فيها يبقى متواضعًا، بل مقلقًا. فرغم أن الرواتب تشكل حوالي 34,79٪ من ميزانية الدولة – ما يعادل 5843 مليار دينار جزائري (نحو 43 مليار دولار) – إلا أن الأجور لا تواكب ارتفاع تكاليف المعيشة ولا تؤمّن حياة كريمة لغالبية العمال والموظفين.

يُعزى هذا التراجع إلى عدة أسباب هيكلية، منها الاعتماد المفرط على قطاع المحروقات الذي يُعتبر أحاديًا وغير متنوع، وضعف مساهمة القطاع الخاص في خلق فرص عمل مجزية، إلى جانب سياسات الأجور غير المرنة التي لم تواكب التضخم ولا الانخفاض المستمر في قيمة الدينار الجزائري. كما أن غياب إصلاحات جذرية في النظام المالي وسوق العمل ساهم في إبقاء الأجور ضمن حدود دنيا، ما أضعف القدرة الشرائية للمواطن الجزائري.

بالمقارنة مع دول الجوار، يظهر أن الوضع ليس معزولًا. فـ المغرب يحتل المرتبة التاسعة بمتوسط راتب قدره 393 دولارًا، بينما حلت تونس في المرتبة العاشرة براتب 303 دولارات. أما لبنان، ورغم أزمته الاقتصادية العنيفة، فقد حافظ على متوسط راتب قدره 502 دولارًا، بدعم كبير من تحويلات الجالية اللبنانية في الخارج.

هذه الأرقام تأتي في ظل ظروف إقليمية وعالمية صعبة، تميزت بتداعيات جائحة كوفيد-19، وأزمات الحرب الروسية الأوكرانية، وتوترات الأسواق العالمية. في مثل هذا السياق، تبدو الخيارات أمام الجزائر محدودة، لا سيما أن الإنفاق على الرواتب يستنزف جزءًا كبيرًا من الميزانية العامة، ويقيد هوامش الاستثمار في قطاعات حيوية أخرى كالصحة، والتعليم، والتكنولوجيا.

يؤكد هذا التصنيف الحاجة الماسة إلى إعادة النظر في النموذج الاقتصادي الجزائري، عبر تنويع مصادر الدخل، وتحفيز المبادرات الخاصة، وربط سياسات الأجور بمعدلات التضخم ومتطلبات العيش الكريم. كما ينبغي خلق بيئة عمل جاذبة ومحفزة تسمح بامتصاص الكفاءات وتحسين جودة الحياة.

في نهاية المطاف، تبقى الرواتب مرآة للوضع الاقتصادي العام، وتحسينها يرتبط ارتباطًا وثيقًا بقرارات سياسية واستراتيجية عميقة وطويلة المدى. فهل تكون هذه الأرقام ناقوس خطر يُحرك عجلة الإصلاح في الجزائر؟


اكتشاف المزيد من المؤشر

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

اترك تعليق

‫شاهد أيضًا‬

القضاء يطوي صفحة ساركوزي.. أول رئيس فرنسي يدخل السجن يوم 21 أكتوبر

يدخل نيكولا ساركوزي التاريخ من أوسع أبوابه، لا كرجل دولة استثنائي كما أراد لنفسه ذات يوم، …