‫الرئيسية‬ الأولى 5 سنوات سجناً للمؤرخ محمد الأمين بلغيث
الأولى - الوطني - 3 يوليو، 2025

5 سنوات سجناً للمؤرخ محمد الأمين بلغيث

5 سنوات سجناً للمؤرخ محمد الأمين بلغيث
أصدرت محكمة الدار البيضاء بالجزائر العاصمة، يوم الخميس 3 يوليو 2025، حكمًا يقضي بالسجن النافذ لمدة خمس سنوات في حق المؤرخ وأستاذ التعليم العالي محمد الأمين بلغيث، مع تغريمه بمبلغ 500 ألف دينار جزائري. الحكم جاء بعد إدانته بتهم تتعلق بالمساس بالوحدة الوطنية، والإساءة إلى رموز الجمهورية، ونشر خطاب الكراهية عبر وسائل تكنولوجية.

وتعود وقائع القضية إلى تصريحات أدلى بها المعني خلال مقابلة تلفزيونية بثتها قناة “سكاي نيوز عربية”، تطرّق فيها إلى قضايا تاريخية وثقافية ذات صلة بالهوية الوطنية. وقد أثارت هذه التصريحات ردود فعل واسعة، استدعت تدخل الجهات القضائية لفتح تحقيق رسمي حول محتواها، في ضوء ما اعتُبر خرقًا لأحكام قانون العقوبات، خاصة في المواد المرتبطة بأمن الدولة والوحدة الوطنية.

باشرت الجهات المختصة، في أعقاب بث المقابلة، إجراءات التتبع بناءً على شكاوى وتحريات أولية. وفي 21 ماي الماضي، رفضت غرفة الاتهام بمجلس قضاء الجزائر طلب الإفراج عن بلغيث، وأيّدت قرار قاضي التحقيق لدى محكمة الدار البيضاء القاضي بإيداعه رهن الحبس المؤقت، على ذمة التحقيق.

وفي جلسة الاستماع التي عُقدت بتاريخ 17 جوان 2025، وبحضور هيئة الدفاع، قرر قاضي التحقيق تعديل التكييف القانوني للوقائع المنسوبة إليه، حيث تم تحويلها من جنايات إلى جنح، مما أتاح مواصلة الإجراءات وفقًا لمساطر المحاكمة في هذا النوع من القضايا.

وقد التمست النيابة العامة، خلال جلسة المرافعة المنعقدة بتاريخ 26 جوان، توقيع عقوبة بالسجن النافذ لمدة سبع سنوات وغرامة مالية بقيمة 700 ألف دينار. غير أن المحكمة قررت إصدار حكم بالسجن النافذ لمدة خمس سنوات، بالإضافة إلى تغريم المتهم مبلغ 500 ألف دينار.

تنظم القوانين الجزائرية حرية التعبير في إطار ما ينص عليه الدستور، لا سيما المادة 54 التي تضمن حرية الرأي والتعبير والنشر، في حدود القانون. وفي المقابل، يحدد قانون العقوبات الجزائري مجموعة من المواد التي تُجرّم الأفعال التي تمس الوحدة الوطنية، وتحرض على التمييز أو الكراهية، أو تُسيء إلى رموز الدولة ومؤسساتها.

وتنص المادة 87 مكرر ومواد أخرى ذات الصلة على العقوبات التي تُفرض في حالات استخدام وسائط إعلامية أو إلكترونية في نشر محتوى من شأنه الإضرار بالسلم العام أو المساس برموز الدولة، أو الترويج لأفكار من شأنها تقسيم المجتمع على أسس دينية أو لغوية أو عرقية.

وفي هذا السياق، أكدت جهات قضائية أن تطبيق هذه المواد لا يستثني أحدًا، بما في ذلك الشخصيات الأكاديمية أو العامة، ما دامت الوقائع محل المتابعة تدخل ضمن الأفعال التي يجرمها القانون.

تمت إجراءات المحاكمة في جلسات علنية، بحضور هيئة دفاع المتهم، وممثلين عن النيابة العامة، وتحت إشراف هيئة المحكمة المختصة. وقد تم عرض التسجيلات المعنية، والاستماع إلى تصريحات المتهم ومحاميه، وتقديم دفوع قانونية تتعلق بطبيعة الأقوال والسياق الذي وردت فيه.

وقد صرّح المحامي توفيق هيشور، عضو هيئة الدفاع، بأن الحكم محل استئناف، وأن الفريق القانوني سيتابع الإجراءات القانونية أمام مجلس قضاء الجزائر في الآجال القانونية المقررة. وأكد في منشور له عبر صفحته على فيسبوك أن موكله “قدّم آراء ضمن حدود اختصاصه الأكاديمي، ولم يكن يقصد المساس برموز الدولة أو إثارة الكراهية”.

حظيت القضية بتغطية إعلامية واسعة من مختلف وسائل الإعلام المحلية، التي ركزت على المسار القانوني للملف، وتفاصيل المحاكمة. كما أوردت العديد من المنابر تصريحات لمحامين وأساتذة قانون، أشاروا فيها إلى أن ما جرى يُعد تطبيقًا صريحًا للقانون في مواجهة تصريحات تتجاوز الإطار القانوني لحرية التعبير.

من جهتها، لم تُصدر وزارة التعليم العالي أو المؤسسات الأكاديمية التي يعمل بها المتهم أي تعليق رسمي، في انتظار صدور القرار النهائي بعد الاستئناف. كما لم تُسجل أي بيانات من نقابات أو جمعيات مهنية إلى تاريخ النشر، باستثناء بعض التفاعلات المحدودة على شبكات التواصل الاجتماعي.

أكد مصدر من داخل المحكمة، فضّل عدم الكشف عن هويته، أن جميع مراحل القضية خضعت للإجراءات القانونية المتعارف عليها، وأن المتهم استفاد من حق الدفاع، وحُق له الاطلاع على الملف وتقديم دفوعه وفقًا لما تنص عليه الإجراءات الجزائية.

وأضاف أن هيئة المحكمة استندت في حكمها إلى الأدلة المادية المرفقة بالملف، وفي مقدمتها التسجيل الكامل للتصريحات محل المتابعة، وتحليل مضمونها وفقًا للتشريعات المعمول بها، مع الأخذ بعين الاعتبار التكييف الجنحي المعتمد.

بحسب الإجراءات القضائية، فإن حكم المحكمة الابتدائية لا يُعد نهائيًا، ويحق للمتهم تقديم طعن بالاستئناف خلال الآجال القانونية المحددة. وسيُحال الملف إلى مجلس قضاء الجزائر، حيث يُنتظر تحديد جلسة جديدة للنظر في القضية من حيث الشكل والمضمون.

ومن المقرر أن تقدم هيئة الدفاع مذكّرة طعن تتضمن دفوعًا إضافية، واستعراض السياق المهني والأكاديمي للتصريحات المعنية. وفي حال تأييد الحكم، سيكون أمام المعني خيار الطعن بالنقض أمام المحكمة العليا.

تُعد قضية محمد الأمين بلغيث واحدة من أبرز القضايا التي شهدتها الساحة القضائية الجزائرية خلال سنة 2025، لما لها من صدى واسع داخل الوسط الأكاديمي والإعلامي. وهي تُبرز، من جهة، التزام القضاء بتطبيق القانون في كل القضايا المرتبطة بخطاب علني، ومن جهة أخرى، تؤكد أن ممارسة حرية التعبير، على أهميتها، تبقى مقيّدة بضوابط قانونية واضحة تهدف إلى حماية الأمن العام والثوابت الدستورية، في إطار دولة الحق والقانون.


اكتشاف المزيد من المؤشر

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

اترك تعليق

‫شاهد أيضًا‬

اليمين المتطرف يهاجم الطلبة الجزائريين في فرنسا!

تعيش فرنسا منذ أسابيع على وقع جدل جديد أثارته بعض الأوساط اليمينية المتطرفة التي وجّهت سها…