68 مليار دولار دين خارجي يدفع المغرب إلى حافة الانهيار
يعيش الاقتصاد المغربي واحدة من أكثر مراحله حساسية منذ عقدين، بعد أن كشف التقرير السنوي للبنك الدولي حول الدين العالمي أنّ مستوى المديونية الخارجية للمملكة بلغ عتبة مرتفعة، تجاوزت 68 مليار دولار، وهو رقم يعادل نسبة جد مرتفعة من الدخل القومي الخام، ويضع البلاد في خانة الاقتصادات الثقيلة المديونية مقارنة بحجم صادراتها وطبيعتها الإنتاجية. ويجمع المحللون الاقتصاديون على أن حجم الدين الخارجي لم يعد مجرد مؤشر مالي يمكن تدبيره بطريقة تقنية، بل يتجاوز ذلك إلى كونه عبئاً مباشراً على الاستقرار المالي والاجتماعي على حد سواء.
ووفق بيانات التقرير، فإن خدمة الدين الخارجي تستحوذ على حصة معتبرة من موارد الدولة بالعملة الصعبة، وهو ما ينعكس مباشرة على قدرة الحكومة في تمويل مشاريع البنية التحتية، وتدعيم منظومة الحماية الاجتماعية، وتوسيع قاعدة التشغيل. ويؤكد خبراء الاقتصاد أنّ الإنفاق الحكومي في السنوات الأخيرة وُجّه بشكل متزايد نحو مشاريع ذات طابع سياسي وتميّز بروتوكولي وتسليح مكلف، في مقابل انكماش واضح في الاستثمار الموجّه للقطاعات الإنتاجية القادرة على خلق القيمة المضافة ورفع نسب الإدماج المهني.
وعلى مستوى سوق العمل، يرصد تقرير البنك الدولي فجوة حادة بين ارتفاع عدد السكان في سن العمل وبين طاقة الاقتصاد على استيعابهم، حيث لم يتجاوز معدل خلق فرص الشغل الجديدة نسبة 1.5% خلال العشر سنوات الأخيرة، في وقت ارتفع فيه عدد السكان الشباب والخرّيجين بما يفوق 10%. وتبيّن هذه الأرقام حجم الاختلال في بنية التشغيل، الذي يرافقه ارتفاع معدل البطالة خصوصاً لدى الفئات الشابة، وهي الفئة الأكثر احتياجاً لنمو ديناميكي في القطاعات الإنتاجية الصناعية والتكنولوجية والخدماتية.
كما يشير التقرير إلى أن استمرار الجفاف وتراجع مردود القطاع الفلاحي — الذي يمثل أحد أعمدة الاقتصاد المغربي — أثّر بشكل مباشر على نسبة النمو، التي لم تتجاوز 3.2% في آخر دورة تقييمية، وهي نسبة ضعيفة مقارنة بالحاجيات التمويلية التي يتطلبها الاقتصاد المغربي لتدارك الفوارق الاجتماعية وتضييق مساحة العمل غير الرسمي. وتبرز في هذا السياق مشكلة الاقتصاد غير المنظم، الذي يستوعب نسبة عالية من اليد العاملة دون ضمانات حماية أو مساهمة ضريبية أو أثر تنموي، ما يزيد من الضغط على الدولة لمواجهة عبء مزدوج: ضعف الجباية مقابل ارتفاع الإنفاق الاجتماعي.
أما على الصعيد الهيكلي، فيسجّل البنك الدولي محدودية ديناميكية القطاع الخاص وندرة المؤسسات ذات النمو العالي، مؤكداً أن الوضع الحالي يعكس أعطاباً في محيط الأعمال، وتراجعاً في قدرة الاقتصاد على تحرير الاستثمار بعيداً عن التدخل الإداري والإطار البيروقراطي الذي يعوق المبادرة الحرة والإنتاج المستدام. وتؤكد القراءات المواكبة أن معالجة الدين الخارجي لا تمر فقط عبر إجراءات مالية أو إعادة جدولة تقنية، بل عبر تعديل عميق في آليات الاقتصاد الوطني وتحرير مسارات الاستثمار المنتِج من معيقات الحوكمة والروتين التشريعي.
وتشير التحليلات المواكبة للوضع إلى أنّ استمرار الرباط في مضاعفة الإنفاق على التسليح والمشاريع الفخمة سيزيد من الضغط المالي الحاد، ما لم يتم تعديل الأولويات باتجاه القطاعات المنتجة، من الصناعة إلى التكنولوجيا، ومن الطاقات المتجددة إلى الفلاحة المؤمنة بالبنى التحتية المائية، بما يسمح بخلق دورة اقتصادية متوازنة تقلل من الاعتماد على الدين الخارجي. وفي ظل هذا السياق، يطرح الخبراء سؤالاً محورياً: هل يمكن للمغرب أن يستمر في تمويل سياساته الاستراتيجية عبر الاستدانة دون أن يخسر قدرة حقيقية على الاستثمار في رأس المال البشري وفي الحماية الاجتماعية؟
إن القراءة الموضوعية لمعطيات البنك الدولي تؤكد أن الدين الخارجي ليس مجرد رقم مالي، بل هو انعكاس مباشر لاختلال في سلم الأولويات، وضعف في القدرة الإنتاجية، وتراجع في النمو، وغيابٍ لخلق فرص العمل بمعدل يوازي التحولات الديمغرافية والاجتماعية. وفي ظل هذه المعادلة المركّبة، يجد المغرب نفسه أمام ضرورة مراجعة خريطة إنفاقه، واستعادة فضاء مالي يسمح له بالتركيز على الإنسان قبل الرمزية، وعلى الاقتصاد الاجتماعي قبل العروض البروتوكولية، وعلى الاستدامة بدل الديون، وذلك لعودة عجلة الاستثمار والديناميكية الاقتصادية إلى مسار قادر على موازنة الدين والإنفاق والإنتاج.
اكتشاف المزيد من المؤشر
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
فرنسا.. “الجمهورية الوهمية” ومشروع التخريب ضد الجزائر
إعلان فرحات مهني لما يسميه “استقلال منطقة القبائل” انطلاقاً من باريس، ليس مجرد…






