‫الرئيسية‬ الأولى الرئيس تبون يستقبل لويزة حنون… ما الرسالة؟
الأولى - رأي - مقالات - ‫‫‫‏‫5 ساعات مضت‬

الرئيس تبون يستقبل لويزة حنون… ما الرسالة؟

الرئيس تبون يستقبل لويزة حنون… ما الرسالة؟
شهد المشهد السياسي الجزائري  حالة من الجدل الحاد بعد المواقف التي صدرت عن بعض الأحزاب بشأن تصويت الجزائر في مجلس الأمن على القرار الذي تقدمت به الولايات المتحدة الأمريكية. وفي خضم هذا الجدل، جاء استقبال رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون لرئيسة حزب العمال، لويزة حنون، ليفتح الباب أمام قراءة أعمق للدور الحقيقي المطلوب من التشكيلات السياسية في مرافقة الدبلوماسية الجزائرية، خصوصاً في الملفات التي لا تتحمل الخطأ أو الارتجال.

ففي الوقت الذي تبنّى فيه حزب العمال موقفاً نقدياً متماسكاً دون الانجرار إلى خطاب التصعيد، اندفعت بعض التشكيلات ذات المرجعية الإسلامية — المعروفة بقربها الفكري والتنظيمي من تيار الإخوان المسلمين أو بتأثرها بخطابه السياسي — إلى إصدار مواقف متشددة وسريعة، تعاملت فيها مع حدث دبلوماسي بالغ التعقيد بمنطق تبسيطي لا يراعي طبيعة العمل داخل مجلس الأمن. هذه التيارات، التي اعتادت تبنّي خطاب الوصاية الأخلاقية واحتكار الحقيقة، اختارت أسلوباً أقرب إلى المزايدة السياسية منه إلى التحليل العقلاني، متجاهلة أن السياسة الخارجية ليست فضاءً للاجتهادات الشخصية، بل مسار قائم على الالتزامات الدولية والدقة في تقدير السياقات.

الأحزاب التي أسرعت إلى مهاجمة الموقف الجزائري كان من المفترض — لو كانت تدرك حساسية الموقع الذي تحتله الجزائر — أن تتواصل أولاً مع الجهات المختصة لطلب تفسير رسمي قبل إصدار بيانات تُحرج الدولة على الساحة الدولية. فالدبلوماسية ليست مجالاً للمزايدات ولا تعتمد على الانفعالات، بل تقوم على حسابات دقيقة، وتوازنات معقدة، ومسؤولية وطنية عالية المستوى. والجزائر، بصفتها ممثلاً للمجموعة العربية داخل مجلس الأمن، ملزمة بالتحرك وفق ما يُتفق عليه داخل هذا الإطار، وليس كما يتصور بعض المتحمسين أو المتأثرين بخطاب التنظيمات العابرة للحدود.

وتُعدّ الإشكالية الأكبر في هذا السياق أن التيارات الدينية ذات التوجه الإخواني غالباً ما تتصرف بمنطق الإحساس بالتفوق الأخلاقي والفكري، وكأنها تقف فوق المؤسسات والدولة نفسها. وهذا السلوك ليس جديداً؛ فهو نتيجة تراكم طويل من المفاهيم المغلوطة التي ترى السياسة من منظور عقائدي ضيق، وتتعامل معها بروح الوصاية، لا بروح المشاركة الوطنية. وهذا ما يجعلها عاجزة عن إدراك تعقيدات الدولة الحديثة أو احترام آليات القرار السيادي.

في المقابل، لا يمكن تجاهل مسؤولية عدد من الأحزاب الوطنية التي تراجع دورها بشكل واضح خلال السنوات الماضية. فقد أُفرغت هذه الأحزاب من محتواها السياسي الحقيقي، وفشلت في تجديد خطابها أو إعادة هيكلة تنظيماتها بعد مرحلة الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، بما ترك الساحة السياسية مكشوفة أمام الأصوات الانفعالية الأكثر ضجيجاً والأقل قدرة على التحليل. وقد آن الأوان لهذه الأحزاب أن تستعيد دورها الطبيعي، بإصلاح هياكلها وتعيين قيادات قادرة على مخاطبة الرأي العام، واستعادة التوازن السياسي الذي يحتاجه المجتمع، لأن الكتلة الوطنية الوسطية هي الأكبر والأكثر تأثيراً في البلاد.

إن لقاء الرئيس تبون بلويزة حنون يحمل رسالة واضحة: ضرورة العودة إلى التشاور السياسي المنظم قبل إصدار أي مواقف تخص القضايا الدولية الحساسة. فالدولة لا تغلق باب النقاش، لكنها ترفض أن تتحول المواقف الحزبية العشوائية إلى أداة يمكن استغلالها من الخارج لإرباك الدبلوماسية الجزائرية. إن مكان الجزائر داخل مجلس الأمن لا يحتمل الخطأ، ولا يسمح بجعل الملفات الاستراتيجية مادة للصراع الداخلي أو لتسجيل النقاط السياسية.

ومن هنا يصبح على الأحزاب أن تفهم أن القضايا الدولية ليست مجالاً للمساومة أو للتجاذب، وأن الدولة ملزمة بمواقف توافقية داخل المجموعة العربية، وأن الخروج عن هذا السياق تحت تأثير تيارات مؤدلجة أو حسابات حزبية ضيقة قد يلحق ضرراً كبيراً بصورة الجزائر ومصداقيتها الدبلوماسية. لذلك تبدو دعوة الرئيس تبون واضحة: باب الشرح مفتوح، لكن يجب أن تكون المواقف مسؤولة ومدروسة، لأن أخطاء الداخل قد تصبح وقوداً يستغله الخصوم في الخارج.

ما يحصل اليوم هو اختبار لمدى نضج الطبقة السياسية في الجزائر وقدرتها على مواكبة التحولات الإقليمية والدولية. فالدولة مستعدة لتوضيح خلفيات خياراتها، لكنها تنتظر في المقابل من الأحزاب أن ترتقي بخطابها، وأن تدرك أن السياسة الخارجية هي خط دفاع استراتيجي لا يسمح بترف الاندفاع أو بالاجتهادات غير المبنية على معرفة. إن الجزائر في مرحلة دقيقة، ولا مكان فيها للارتباك، بل للانسجام الوطني الذي يضمن حماية المصلحة العليا للدولة فوق كل الحسابات.


اكتشاف المزيد من المؤشر

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

اترك تعليق

‫شاهد أيضًا‬

ترامب قد يصنّف جماعة الإخوان تنظيماً إرهابياً…

مع اقتراب موعد إعلان واشنطن نيتها إدراج جماعة الإخوان المسلمين على قوائم التنظيمات الإرهاب…