بن كيران يبرر خيارات المخزن الإقليمية!
يعود عبد الإله بن كيران بين فترة وأخرى إلى المشهد السياسي في المروك من خلال دعوات متكررة لتحسين العلاقات مع الجزائر، لا بصفته زعيم حزب أو رئيس حكومة سابق فحسب، بل باعتباره واجهة من واجهات المخزن تسعى إلى إعادة تسويق الخطاب الرسمي خارجياً تحت غطاء التهدئة اللفظية. غير أن الطريقة التي يقدّم بها هذه الدعوات تكشف بوضوح أن الهدف ليس تجاوز الخلافات أو معالجة أسباب القطيعة، بل الدفع نحو تطبيع إقليمي مع الرؤية السياسية للمخزن وكأن المنطقة مطالبة بالاستجابة لإملاءات الرباط دون نقاش أو معادلة متوازنة.
خطاب بن كيران لا يأتي من فراغ، فهو جزء من منظومة سياسية تحاول باستمرار إعادة تقديم نفسها كوسيط أو كمنصة دعوة للوحدة المغاربية في الوقت الذي يسير فيه المخزن في اتجاه معاكس تماماً من خلال خياراته الإقليمية. فالحزب الذي يمثله بن كيران كان أول المصفقين لاتفاق التطبيع مع إسرائيل، ليعود لاحقاً جزء من قياداته لتبنّي خطاب مغاير إعلامياً في محاولة امتصاص غضب الشارع أو الالتفاف عليه. هذه الازدواجية ليست تفصيلاً عابراً، بل مؤشر على كيفية اشتغال المشهد السياسي في المروك: قرار يُتخذ مركزياً في القصر، ثم يُسوّق سياسياً عبر وكلاء، ثم يُعاد تعويمه إعلامياً عندما تقتضي الحاجة.
وإذا كانت دعوات بن كيران موجّهة ظاهرياً للجزائر، فالأجدر أن تكون موجّهة أولاً إلى الداخل المروكي حيث تتناقض الرسائل بشكل صارخ. فبينما يقدّم نفسه كصوت تهدئة، تستمرّ في المقابل حملات إعلامية ومنصات رقمية ممنهجة مصدرها المروك في مهاجمة الجزائر والتحريض عليها، وهو ما كشفته منصة «إكس» بوضوح بعد تحديثها الأخير الذي أظهر بلد منشأ الحسابات. لقد اتضح أن عدداً كبيراً من الحسابات التي ظهرت بهويات جزائرية أو خليجية وتحرّض ضد الجزائر أو تدعو للفوضى مصدرها المروك، وهو ما يؤكد أن المسألة ليست مجرد نشاط أفراد، بل آلية اشتغال منظّم يرتبط مباشرة ببنية المخزن الرقمية.
وإذا كان بن كيران يرغب فعلاً في «إعادة الدفء»، فالمطلوب أولاً هو وقف الحرب الإعلامية المنظمة، والضغط من داخل منظومة القرار على أذرع المخزن التي تشتغل خارج نطاق الأخلاق السياسية. غير أن ما يحدث عملياً هو العكس: يُوجَّه الخطاب الناعم إلى الخارج بينما يتواصل خطاب التحريض في الداخل. وهذه المفارقة تعكس رؤية ثابتة لدى المخزن: تصدير خطاب المصالحة حين تتطلب الضرورة التجميلية ذلك، مع الإبقاء على أدوات الاستهداف نشطة لضمان التوازن التكتيكي الذي يخدم مصالحه.
كما لا يمكن تجاهل الخلفية التاريخية التي ترتكز عليها بعض دوائر القرار في المروك، والتي لا تزال تنظر إلى المنطقة بمنطق الامتداد الجغرافي لا بمنطق الحدود الدولية. وهنا تكمن الإشكالية التي يتجاهلها بن كيران في كل خطبه، إذ يستمر في التسويق لفكرة التقارب دون الإشارة إلى جوهر الخلاف: ملف الصحراء الغربية، التوظيف السياسي للتاريخ، وتوسيع النزعات الحدودية في الخطاب الرسمي. وهي ملفات لا يمكن تجاوزها أو تجميلها بعبارات مسالمة تطلق بين فترة وأخرى.
الجزائر لم تغلق يوماً باب الحوار، لكنها ترفض أن يتحول الحوار إلى أداة للتغطية على ممارسات إعلامية وسياسية تعمل ليل نهار على ضرب استقرار المنطقة. وإذا كان بن كيران يسعى فعلاً لبناء جسور، فالخطوة الأولى ليست في الميكروفونات، بل في إقناع المخزن بأن إدارة الإقليم لا تكون عبر حملات رقمية ومقاربات أحادية، وإنما عبر احترام سيادة الآخرين وتوازن العلاقات.
خلاصة المشهد أن بن كيران لا يتوجه للجزائر بقدر ما يتوجه لإرضاء المؤسسة التي أعادته إلى الواجهة. أما رسائله فهي جزء من خطاب محسوب يراد له أن يعيد تقديم صورة المخزن في المنطقة عبر وسيط مدني، بينما تواصل أدواته الأخرى الأسلوب المعتاد في الاستهداف والتضليل.
اكتشاف المزيد من المؤشر
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
المروك على حافة الانهيار الاقتصادي ويبحث منفذا عبر الجزائر
تكثّف دوائر المخزن في المروك خلال الأسابيع الأخيرة حملاتها الإعلامية الممولة عبر مقالات مد…






