ما بعد مقترح تعديل قانون الجنسية.. أي أدوات أنجع لحماية الدولة؟
يرى متابعون للشأن القانوني أن مقترح تعديل قانون الجنسية، الذي يناقَش حاليًا على مستوى لجنة الشؤون القانونية والإدارية والحريات بالمجلس الشعبي الوطني بحضور وزير العدل حافظ الأختام لطفي بوجمعة، يندرج ضمن مقاربة سيادية تسعى إلى تكييف المنظومة القانونية مع ما تعتبره السلطات تحديات تمسّ أمن الدولة ومصالحها العليا، خاصة في ظل تنامي أنشطة معارضة أو عدائية تُدار من خارج الإقليم الوطني. ويؤكد أصحاب المقترح، وفي مقدمتهم النائب هشام صفر، أن النص لا يجعل من التجريد من الجنسية قاعدة عامة، بل إجراءً استثنائيًا ومحدودًا، يُفترض أن يُطبّق في حالات خطيرة ومضبوطة، مع توفير ضمانات إجرائية وقانونية، بما في ذلك الإنذار المسبق وصدور القرار بموجب مرسوم رئاسي.
غير أن قراءة عملية لتأثير هذا المقترح تبيّن، بحسب مختصين، أن الأثر المباشر على الأفعال التي يستهدفها قد يكون محدودًا. فالفئات المعنية بهذا النوع من الإجراءات غالبًا ما تكون مقيمة في الخارج، وتحمل جنسيات أخرى، ولا تعتمد في نشاطها السياسي أو الإعلامي أو المالي على الاحتفاظ بالجنسية الجزائرية. وعليه، فإن سحب الجنسية، رغم رمزيته السيادية، لا يؤدي بالضرورة إلى وقف هذه الأنشطة أو تقليصها على أرض الواقع، خاصة إذا كانت محمية بإطارات قانونية في دول الإقامة.
ويشير خبراء في القانون الجزائي إلى أن الجرائم التي يُراد التصدي لها، مثل المساس بأمن الدولة، أو التمويل، أو التحريض المنظم، أو التعاون مع جهات أجنبية معادية، هي في جوهرها أفعال يعالجها قانون العقوبات وآليات المتابعة القضائية، وليس قانون الجنسية وحده. فالتجارب المقارنة تُظهر أن الردع الحقيقي يتحقق عندما تُربط المسؤولية القانونية بالفعل ذاته، من خلال التحقيق والمتابعة والمحاكمة، بدل الاكتفاء بإجراء إداري قد لا يغيّر من قدرة المعنيين على مواصلة نشاطهم من الخارج.
وفي هذا السياق، يلفت متابعون إلى أن بعض التحفظات التي عبّرت عنها شخصيات قانونية وحقوقية لا تنصبّ بالضرورة على مبدأ حماية الدولة أو سيادتها، وإنما على مدى فعالية الأداة المختارة لتحقيق هذا الهدف. فمفاهيم مثل “المساس بالمصالح العليا” أو “نبذ الولاء” تحتاج، بحسبهم، إلى ضبط دقيق حتى لا يتحول الإجراء من وسيلة استثنائية إلى أداة واسعة التطبيق ذات مردود عملي محدود.
ويرى مختصون أن تعزيز فعالية الدولة في مواجهة هذه التهديدات يمرّ، أساسًا، عبر تقوية آليات التعاون القضائي الدولي، ولا سيما في مجالات تبادل المعلومات، والإنابات القضائية، وملاحقة الأموال المشبوهة، وتجميد الأصول، وهي أدوات ثبت أنها أكثر تأثيرًا في إضعاف الشبكات المنظمة العابرة للحدود. كما أن تفعيل قوانين مكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب، وفق المعايير الدولية، يسمح باستهداف البنية المالية التي تشكّل العمود الفقري لهذه الأنشطة، بغضّ النظر عن جنسية القائمين بها.
ويؤكد متابعون أن هذه البدائل لا تعني الاستغناء عن الإجراءات السيادية التي يتيحها قانون الجنسية، بل وضعها في إطارها الطبيعي كإجراء استثنائي مكمّل، لا كأداة مركزية وحيدة. فالجمع بين النصوص الجزائية، والآليات المالية، والتعاون الدولي، من شأنه أن يحقق توازنًا بين حماية المصالح العليا للدولة وضمان فعالية التدخل القانوني على أرض الواقع.
كما يُطرح، في هذا الإطار، خيار تطوير الصياغة القانونية للنصوص المرتبطة بهذه القضايا، بما يضمن وضوحها ودقتها، ويعزّز قابليتها للتطبيق دون تأويل واسع. ويُنظر إلى هذا التوجه على أنه عنصر أساسي في تعزيز مصداقية أي إجراء تشريعي، وتوجيهه بدقة نحو الحالات التي تشكّل خطرًا فعليًا، بدل تحميله أدوارًا تتجاوز طبيعته القانونية.
ويخلص محللون إلى أن التحديات الأمنية والسياسية المعاصرة، بطبيعتها المركّبة والعابرة للحدود، تتطلب حلولًا متعددة المستويات، لا تختزل في إجراء واحد مهما كانت رمزيته. فالمقاربة الأكثر فاعلية، في نظرهم، هي تلك التي تدمج بين الردع القانوني، والمتابعة القضائية الفعلية، والتجفيف المالي، والتعاون الدولي، مع الإبقاء على إجراءات الجنسية كملاذ استثنائي أخير، يُستعمل بحذر وفي أضيق الحدود.
اكتشاف المزيد من المؤشر
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
كناب-بنك يطلق قرضاً جديداً لفائدة مكتتبي “عدل 3”
أعلن الصندوق الوطني للتوفير والاحتياط “كناب-بنك” عن إطلاق منتج تمويلي جديد موجّه لفائدة مك…






