‫الرئيسية‬ في الواجهة عدالة متناقضة.. لماذا ترفض فرنسا تسليم المتهمين الجزائريين بالإرهاب؟
في الواجهة - 21 يونيو، 2024

عدالة متناقضة.. لماذا ترفض فرنسا تسليم المتهمين الجزائريين بالإرهاب؟

لماذا ترفض فرنسا تسليم المتهمين الجزائريين بالإرهاب؟
ترفض المحاكم الفرنسية بشكل متكرر تسليم مطلوبين جزائريين، بمن فيهم المتهمين بالإرهاب، إلى الجزائر. ما يثير جدلاً واسعًا وتذمرًا من الجانب الجزائري لهذا التصرف غير المفهوم، رغم أن المتهمين بالإرهاب من طرف الجزائر يشكلون أيضًا خطرًا على أمن فرنسا، كما شهدنا في الماضي وما قامت به تلك الحركات المتطرفة من تفجيرات حدثت في فرنسا وإسبانيا.

هذه القرارات القضائية، وهي طبعًا سيادية، تعكس التخبط الفرنسي في إيجاد توازن بين تطبيق مبادئ حقوق الإنسان وضرورات الحفاظ على الأمن الداخلي.

قضايا بارزة وقرارات قضائية

في عام 2022، رفضت محكمة النقض الفرنسية طلبًا لتسليم المواطن الجزائري عبد الله ب، المتهم بالانتماء إلى جماعات إرهابية. قضت المحكمة بأن تسليمه قد يعرضه لخطر التعذيب أو المعاملة غير الإنسانية في الجزائر، مما يتعارض مع الاتفاقية الأوروبية لحماية حقوق الإنسان. وفي قضية أخرى، رفضت المحاكم الفرنسية لنفس الحجج السابقة الذكر تسليم عدة مطلوبين جزائريين متهمين بالإرهاب، من بينهم عبد القادر ت. وعبد الكريم ت.

قضية أ. بوخرص، الوارد اسمه في القائمة الوطنية للأشخاص والكيانات الإرهابية في الجريدة الرسمية، ومراد دهينه الإرهابي السابق الناشط في منظمة رشاد وأحد مؤسسي التنظيم الإرهابي “فيدا” الذي تخصص في قتل الصحفيين والمثقفين الجزائريين، كما تورط مراد دهينه، حسب تقارير منشورة، في تهريب الأسلحة من أوروبا إلى الإرهابيين في الجزائر. ورغم هذا، تم رفض تسليمه إلى الجزائر أيضًا. القرارات بنيت على نفس الحجج الواهية السابقة الذكر.

كما رفضت المحاكم الفرنسية تسليم الإرهابي إبراهيم بلعباسي، وزعيمه فرحات مهني، رئيس جمهورية “الماك” الوهمية، المتورطين في جريمة قتل شاب بن سماعيل الذي جاء كمتطوع لإخماد الحرائق في منطقة القبائل والتي تورط في إشعالها قياديي تنظيم “الماك” الإرهابي وأدت إلى وفاة أكثر من 169 شخصًا. وطبعًا، العدالة الفرنسية تقدم كالعادة نفس التبريرات السابقة.

المعايير القانونية والأبعاد الإنسانية

تعتمد المحاكم الفرنسية في قراراتها على المعايير المنصوص عليها في الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان، وخاصة المادة الثالثة التي تحظر التعذيب والمعاملة أو العقوبة غير الإنسانية أو المهينة. تفرض هذه المعايير على الدول الأوروبية التأكد من أن تسليم أي شخص لن يؤدي إلى انتهاك حقوقه الأساسية. تأخذ القرارات القضائية في الحسبان الظروف السياسية والقانونية في البلد الطالِب. في حالة الجزائر، توجد مخاوف متزايدة بشأن استقلالية القضاء وضمانات المحاكمات العادلة، وهو ما يجعل المحاكم الفرنسية أكثر حذرًا في قراراتها المتعلقة بتسليم المطلوبين.

مقارنة مع إسبانيا

على النقيض من فرنسا، التي ترفض محاكمها تسليم المطلوبين الجزائريين استنادًا إلى حججها التقليدية، سلمت إسبانيا مطلوبين جزائريين بتهم الإرهاب رغم أنها تعتمد في قراراتها على المعايير المنصوص عليها في الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان. هذا التباين يثير التساؤلات حول استقلالية القضاء في فرنسا ومدى تأثير القناعات السياسية والشخصية للقضاة على القرارات القضائية، مقارنة بدول أوروبية أخرى كإسبانيا التي قامت بتسليم ناشطين مرتبطين بحركة “رشاد” الإرهابية المحظورة في الجزائر، مثل محمد ع. وب. محمد عزوز وهذا ما يضعف ويفند نظرية مخاوف عدم وجود شروط المحاكمة العادلة في الجزائر.

أدلة المحاكمات العادلة في الجزائر وانهيار حجج القضاء الفرنسي الواهية

المتهمان عبد الله محمد وبن حليمة محمد عزوز، كانا محل اتهام جديد مع عدد من الأفراد الآخرين، من بينهم المتهمان الرئيسيان محمد زيطوط وأمير بوخرص، المعروف بـ”أمير دي. زاد”، بتهم تتعلق بالانخراط في جماعة تنظيمية تهدف إلى تعطيل أمن الدولة واستقرار مؤسساتها، وأيضًا بتهمة تلقي أموال من داخل وخارج البلاد بهدف تمويل أنشطة تخريبية.

وفي محاكمة علنية وشفافة، أصدرت محكمة الجنايات الابتدائية بالدار البيضاء حكمًا بالسجن لمدة خمس سنوات نافذة على المتهمين عبد الله محمد وبن حليمة محمد عزوز، بعد إدانتهما بعدة تهم من بينها الانخراط في جماعة تخريبية تهدف إلى النيل من أمن الدولة والوحدة الوطنية والسلامة الترابية.

وفي تطورات مثيرة للانتباه، أدلى المتهم بن حليمة، العسكري السابق المقبوض عليه، باعترافات مثيرة في جلسة المحاكمة. أكد بن حليمة في تسجيل بثته وسائل الإعلام الجزائرية أن “زيطوط طلب منه البقاء في الجزائر ليزوده بمعلومات من داخل وزارة الدفاع”، مشيرًا إلى أن هدف زيطوط كان “اختراق المؤسسة العسكرية”، وهي الطريقة التي ورثتها رشاد من تنظيم “الفيدا” الإرهابي المتخصص في التصفية الجسدية للنخبة الجزائرية. وأضاف أن إخوة زيطوط، إسماعيل وميلود، كانا مكلفين بالتواصل مع النشطاء للتأثير عليهم.

بالإضافة إلى ذلك، كشف بن حليمة أن “أمير دي. زاد” كان يمتلك مبلغًا كبيرًا من المال، حوالي 200 ألف يورو، تم توزيع المبلغ على نشطاء لنشر محتوى معين عبر وسائل التواصل الاجتماعي. وأفاد أيضًا بأن “أمير دي. زاد” قابله برفقة محامٍ يهودي يعمل مع المخابرات الفرنسية. ومن جهة أخرى، وجه بن حليمة نداءً طالب فيه عفو رئيس الجمهورية، معترفًا بأخطائه السابقة وتعرضه للتلاعب من قبل زيطوط. وأكد أنه يتلقى معاملة حسنة منذ وصوله إلى الجزائر، نافيًا التقارير التي تحدثت عن تعرضه للتعذيب أو أي أذى كان.

ردود الأفعال والتداعيات

أثارت قرارات الرفض الفرنسية استياءً من الجانب الجزائري، الذي يعتبرها تدخلًا في شؤونه الداخلية وعائقًا أمام مكافحة الإرهاب. ومع ذلك، تدافع السلطات الفرنسية عن موقفها بأن حماية حقوق الإنسان يجب أن تكون في مقدمة الأولويات، بغض النظر عن التهم الموجهة. وفي هذا السياق، يرى بعض المحللين أن التعاون القضائي بين فرنسا والجزائر يجب أن يستند إلى احترام متبادل للمعايير الدولية لحقوق الإنسان. ويؤكدون أن تعزيز هذا التعاون يمكن أن يساهم في تحقيق العدالة والأمن معًا.

يظل رفض القضاء الفرنسي تسليم مطلوبين جزائريين بتهم الإرهاب قضية معقدة تتداخل فيها الاعتبارات السياسية والقانونية والإنسانية والأمنية والسيادية. بينما تسعى الجزائر لتعزيز أمنها ومكافحة الإرهاب، تظل فرنسا ملتزمة بحماية حقوق الأفراد وفقًا لمبادئها وقوانينها. لذا، فإن تعزيز التعاون القضائي بين البلدين يبقى السبيل الأمثل لضمان تحقيق العدالة والأمن.


اكتشاف المزيد من المؤشر

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

تعليقان

  1. فرنسا لها خيار في من تطرد و الجزائر لها أيضا الخيار في من تستقبل، السياسة الفرنسية الكيل بمكيالين، تريد طرد من ليس لهم قيمة مثل الحراقة و تريد الابقاء من تستعملها للضغط على الجزائر.
    ربما الأشياء تتغير مع اليمين المتطرف…

  2. هدا هو الجواب الصحيح
    فرنسا تريد طرد من ليس لهم قيمة مثل الحراقة و تريد الابقاء من تستعملها للضغط على الجزائر.

اترك تعليق

‫شاهد أيضًا‬

القضاء يطوي صفحة ساركوزي.. أول رئيس فرنسي يدخل السجن يوم 21 أكتوبر

يدخل نيكولا ساركوزي التاريخ من أوسع أبوابه، لا كرجل دولة استثنائي كما أراد لنفسه ذات يوم، …