“الشياتون”.. تهديد حقيقي لاستقرار الجزائر
إذا كانت هناك ظاهرة ساهمت في تدمير الجزائر خلال فترة سنوات المافيا، فهي ظاهرة تفشي “الشياتين”. هذه الظاهرة تُعَدُّ من أسوأ وأقذر الظواهر أخلاقياً، وتشكل دماراً شاملاً للبلد. لقد رفعت هذه الظاهرة آلاف الأشخاص عديمي الضمير وضحيلي الثقافة والمؤهلات إلى مناصب حساسة في دواليب السلطة الجزائرية، وأصبحت اليوم تشكل حاجزاً صلباً تتحطم عنده كل المبادرات التي تهدف إلى تحسين الوضع في البلاد.
“الشيات” هو شخص خاوي العقل وبدون مؤهلات علمية، يعمل فقط على ترديد جمل فارغة وشعارات جوفاء باتجاه أصحاب النفوذ ليحصل على مناصب أو مميزات هو ليس أهلاً لها. الأخطر من ذلك، أن هذه الظاهرة التي يمقتها الرئيس عبد المجيد تبون، قد انتشرت وتكرست في وقت النظام السابق، مما صنع جداراً يصعب اختراقه من ذوي التخصصات والحاملين للشهادات العليا وأصحاب المؤهلات، والذين يمكنهم مساعدة الجزائر في مجالات بعينها. كما دمرت هذه الظاهرة في المجتمع الجزائري حب الاطلاع والتنافس على كسب المعرفة في الجامعات والمعاهد الوطنية، وأصابت نظام التعليم في كل مراحله بالوهن، مما يؤدي إلى تأخر مميت ستكون له انعكاسات كارثية على الأجيال القادمة.
تجاوزت المؤسسة العسكرية إلى حد ما هذه الظاهرة بإعادة إحياء التكوين عبر مدارس أشبال الثورة، وهي لبنة جدية وصلبة لصناعة إطارات جزائر الغد نظراً للمستوى الجاد في التعليم والصرامة في التصرف والتشبع بالقيم الوطنية. هذا يعتبر أملاً للجزائر مستقبلاً في مواجهة التدهور العام في مستوى التعليم بمختلف مراحله، حيث أتحدث هنا عن النوعية وليس الكمية العددية.
“الشياتون” هو سرطان ينخر المجتمع الجزائري، وأي مسؤول يسعى لمحاربتها يجد صعوبة كبرى في إنجاح مهمته، لأن جيش “الشياتين” جيش عظيم ومنظم، يدافع عن نفسه ويتطلب من المجتمع أن يجد آليات حديثة للتخلص من هذه الآفة الخطيرة التي تهدد الجزائر.
عدد من البلدان التي واجهت هذه الظاهرة قامت بتوطين جامعات أجنبية على أراضيها دون التدخل في مضمونها لتخريج الإطارات التي تحتاجها الدولة في مختلف الوظائف. هذا طريق من بين الطرق لمواجهة هذه الظاهرة، وهي ليست خاصة بالجزائر فقط، بل منتشرة في العديد من البلدان بتسميات عديدة.
الشية دمار لا يضاهيه إلا الدمار النووي، فهي هدر لمقدرات البلد البشرية التي تضيق عليها الآفاق فتهاجر. هذا ما تبحث عنه البلدان الأوروبية التي تتربص بجلب القدرات إليها دون أن تصرف عليها مليماً واحداً، حيث تكلفت الرداءة بتهجيرها. وستحدث الكارثة عاجلاً أم آجلاً لأن أوروبا بحاجة إلى جلب 90 مليون مهاجر إليها من هنا إلى سنة 2090 حسب تقرير من المفوضية الأوروبية حول ظاهرة الشيخوخة. الشية إذاً ستتسبب في تهجير نخبة وصفوة المجتمع بعد أن صرفت الجزائر ملايين الدولارات لتكوينهم.
أكاد أجزم أن مجتمع الشياتين مؤامرة مدبرة بذكاء وحنكة، تشبه نشر الآفات الاجتماعية وشبكات المخدرات. أي مسؤول في هرم السلطة يجد صعوبة في إيجاد حل لوقف تفشي هذه الظاهرة السلبية والخطيرة التي تكاد تتحول إلى حزب سياسي خفي وقوي، صنعت لنفسها شبكات تخترق المؤسسات الرسمية، وهي أحد روافد انتشار الرشوة وتفشيها في الجزائر.
أي بلد في العالم يُبنى بالأفكار والكفاءات، وهذا هو السبيل الوحيد الذي يضمن الاستدامة دون أن ننسى ضرورة إصلاح الساحة السياسية وإعادة بناء الأحزاب على توجهات وطنية تكون مركز تزويد البلد بالإطارات المناضلة والكفأة والمشبعة بالقناعات الوطنية. حالة التشرذم الحالية للساحة السياسية لا تخدم مستقبل الجزائر.
لخضر فراط صحفي معتمد لدى الاتحاد الأوروبي والحلف الأطلسي مدير جريدة المؤشر
اكتشاف المزيد من المؤشر
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
قمة شرم الشيخ… سلام بلا دولة
بعد أن زار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الكيان الصهيوني ليقدّم له كل الضمانات، وألقى خطابً…