“البريكولاج” الرقمي يحجب “المؤشر”
خلال 48 ساعة فقط، توقف موقع جريدة “المؤشر” مرتين، الأولى لمدة 14 ساعة والثانية لمدة 10 ساعات. السبب الرسمي المعلن هو توقف السيرفر “ديزاد” الذي توفره “Icosnet”. على الرغم من المراسلات الرسمية التي بعثتها إدارة الجريدة إلى الشركة المعنية، لم تتلق أي شرح مقنع يوضح سبب توقف السيرفر المستضيف للموقع. تسببت هذه التوقفات في ضرر مادي ومعنوي للجريدة، حيث حُجبت عن قرائها ومتابعيها في الداخل والخارج.
ينبغي على السلطات الجزائرية الإسراع في معالجة هذه الكوارث في قطاع الرقمنة بإصدار قوانين ردعية لقطع الطريق أمام هؤلاء “الهواة” في مجال حيوي واستراتيجي، فالتحول الرقمي لا يمكن أن يتم بـ”الهف” و”التبلعيط”. لا يمكن للدولة أن تجبر الشركات من مختلف القطاعات على توطين مواقعها في الجزائر، وتورطنا مع شركات لا تحترم أدنى مواصفات الخدمة العمومية، فكيف لها أن تتحكم في التقنية؟ كيف يمكن لوزير الإعلام أن يسن قانونًا يجبرنا على توطين مواقعنا في الجزائر ولا يذكر فيه شيئًا فيما يخص التوقف لساعات طويلة بدون تدخل سريع وبدون أدنى مسؤولية؟ كيف تتجه الجزائر إلى التحول الرقمي بمثل هؤلاء؟
التحول الرقمي يحتاج إلى محترفين حقيقيين متمكنين في مجال التكنولوجيا الرقمية، وبدونهم سيدخل الوطن في “البريكولاج” والعبث الرقمي. في البلدان الأخرى، يعتبر توقف المواقع لدقائق فقط كارثة تستدعي حالة طوارئ حقيقية للبحث عن السبب، سواء كان ماديًا أو بشريًا، ويتم معالجته بسرعة مع الاعتذار لكافة الجهات المتضررة من انقطاع الخدمة.
إن قرار السلطات الجزائرية بتوطين المواقع على السيرفر الوطني هو قرار صائب ولا نقاش فيه، ولكن تشغيل هذه المواقع يعتبر خارج مجال التغطية، ويسئ للقرار السيادي. إن التوقف المتكرر للمواقع يعود غالبًا إلى سوء الإدارة أو التخريب، والنتيجة واحدة: حجب المواقع ومنع أصحابها من الوصول إلى بياناتهم للقيام بعملهم اليومي العادي. يمكنكم تصور الكارثة الاقتصادية والسياسية التي لا مثيل لها إذا توقف موقع وزارة الدفاع الوطني أو موقع رئاسة الجمهورية أو موقع شركة الطيران.
لقد حان الوقت للتعامل بجدية مع هذا المجال وتسليم إدارته إلى مختصين حقيقيين وشركات معروفة عالميًا في مجال إنشاء وإدارة مراكز البيانات التي يجب أن تستخدمها دول بحجم الجزائر. علينا الخروج من السياسات الحالية، التي بدأت في عهد العصابة ولا تحمل أي رؤية جادة، لأن إنشاء سيرفرات مؤمنة وفعالة ومستدامة والحفاظ عليها من أي عبث لا يقل أهمية عن حماية محطة نووية، وأي تعطيل في سيرها له انعكاسات كارثية. كما يجب أن تواكب عملية الرقمنة القوانين الموجودة في العالم التي تؤطر استعمال هذه التكنولوجيا وتعاقب العابثين والهواة وتحمي المستعلمين ومختلف الزبائن.
أذكر تعليقًا إعلاميًا جزائريًا حول قطع الإنترنت خلال فترة الباك، إذ قال بأنه لا حدث، وحصر المشكلة في مجرد عدم تمكن المنتقدين من نشر بوستات على الفيسبوك. للأسف، هذا هو التفكير السائد لدى البعض في الجزائر، حيث يتم اختزال أمر جلل في قضايا ثانوية، وهو جهل لا مثيل له. ودون التعمق في الجانب الاقتصادي للأمر، يجب أن نذكر أن مستعملي الإنترنت يدفعون تكاليف الاشتراك الشهري، ويجب أن تتوفر لهم الخدمة مقابل ذلك. لم يتم تقييم الخسائر المترتبة على انقطاع الإنترنت خلال فترة الباك بشكل كامل بعد، ولكن يكفي مشاهدة الطوابير أمام مراكز البريد لسحب الأموال عند عودة الإنترنت لمعرفة جزء من الضرر الذي لحق بالاقتصاد الوطني، ناهيك عن عمل البنوك والتواصل البيني أو مع الخارج للمواطنين والمؤسسات.
توفير الخدمة عبر السيرفر الوطني واجب على الدولة، لأنها هي من اتخذت قرار توطين المواقع. وفي حالة عجزها عن توفير السير الحسن لهذه المواقع واستدامتها في الخدمة، يجب أن تسمح باستخدام سيرفرات أخرى أجنبية لفترة محددة حتى يتم إصلاح الوضع وتوفير الخدمة بطريقة مهنية للزبائن. كما يجب على المسؤولين إجراء توصيف حقيقي للأزمة ومعالجتها، ورأيي أن يتم إسناد الأمر إلى شركات كبرى عالمية صديقة للجزائر ولديها خبرة في تأسيس وتأمين وضمان سير السيرفرات، ومع الوقت يتم تكوين كفاءات وطنية للإشراف عليها.
في العديد من القطاعات، نشجع الاجتهاد المحلي ولكن نرفض “البريكولاج”، ونفضل التكوين التدريجي والحفاظ على التجربة المستوردة كما هي دون تعديل حتى لا تفسد. “البريكولاج” المحلي هو ما دمر سمعة الجزائر، لذا يجب الحذر من تغلغل العبث المحلي في قطاع الرقمنة خوفًا من إفساده.
لخضر فراط صحفي معتمد لدى الاتحاد الأوروبي والحلف الأطلسي مدير نشر جريدة المؤشر
اكتشاف المزيد من المؤشر
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
الجزائر لا تُنسى… ومن يتجاهلها يُخطئ في حقّ الوفاء
صرّح ممثل حركة “حماس” في الجزائر، للإذاعة الجزائرية الدولية، بشأن التصريحات ال…