التصريحات المثيرة لدريانكور.. لماذا تتجاهل فرنسا حقائق التاريخ؟
أجرت صحيفة “لو بوان” الفرنسية مقابلة مع السفير الفرنسي الأسبق في الجزائر، غزافييه دريانكور، عبر فيها عن وجهة نظره حول تطور الموقف الفرنسي بشأن قضية الصحراء الغربية. وقد تحدث دريانكور عن عدة نقاط مهمة تتعلق بالقرار الفرنسي الأخير بدعم مشروع الحكم الذاتي الذي يكرس الاستعمار المغربي للصحراء. ترى جريدة “المؤشر” أنه من الضروري الرد على هذه التصريحات التي تظهر مرة أخرى وقاحة غير مقبولة من الرجل وتجاهلًا تامًا للتاريخ والحقائق المتعلقة بالعلاقات الجزائرية الفرنسية وبقضية الصحراء الغربية.
تصريحات السفير الفرنسي اليميني المتطرف غزافييه دريانكور تعكس تحيزًا غير مقبول وتشويهًا للواقع التاريخي والسياسي للعلاقات الجزائرية الفرنسية. ادعاء دريانكور بأن الجزائر لم ترد بشكل إيجابي على “الخطوات” التي اتخذتها باريس هو تشويه للحقيقة. الجزائر كانت دائمًا شريكًا متعاونًا مع فرنسا في العديد من المجالات، بما في ذلك مكافحة الإرهاب والتعاون الاقتصادي. المشكلة الحقيقية تكمن في طبيعة هذه “الخطوات” التي لم يشرحها لنا هذا الدبلوماسي الحاقد على الجزائر والتي نعتبرها في أغلب الأحيان أحادية الجانب وتتجاهل القضايا الجوهرية التي تهم الجزائر ولا تلبي مصالحها، مثل قضية الذاكرة التاريخية والجرائم الاستعمارية التي ارتكبتها فرنسا خلال فترة استعمارها للجزائر. كما أن الجزائر أصبحت ترفض إهداء فرنسا المشاريع بتدخل سياسي، بل أصبحت تراعي مصالح شعبها وتستعمل مبدأ المنافسة بين الشركاء في الحصول على المشاريع.
أما بالنسبة لقضية الصحراء الغربية، فإن الموقف الفرنسي الأخير بالاعتراف بـ”سيادة المغرب” المزعومة على الصحراء هو انقلاب واضح على مبادئ القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة التي تعترف بحق الشعب الصحراوي في تقرير مصيره، وأصدرت أول توصية بهذا الحق سنة 1965 قبل أن يفكر الاستعمار الفرنسي بتحريض الاستعمار المغربي على احتلال الصحراء الغربية. هذا القرار ليس فقط خطأً دبلوماسيًا، بل هو خيانة للمبادئ الأساسية للعدالة وحقوق الإنسان.
تصريحات دريانكور تحمل ضمنيًا محاولة لتبرير الخطأ الدبلوماسي الذي ربما انتبهت له فرنسا بعد فوات الأوان وارتكاب الجريمة، كما تعكس أيضًا رؤية ضيقة الأفق تركز على المصالح الاقتصادية والسياسية قصيرة المدى دون اعتبار للحقوق الشرعية للشعوب. هذه رؤية نيوكولونية مبنية على عدم الاحترام لحقوق الآخرين. إن استخدام القضية الصحراوية كورقة ضغط دبلوماسية يخالف مبادئ القانون الدولي ويضر بمصداقية فرنسا كدولة تدعي دعمها للحقوق والحريات.
الجزائر ستظل دائمًا داعمة للحقوق الشرعية للشعوب المستعمرة وستواصل الدفاع عن مبادئ العدالة والحرية، بغض النظر عن التحديات الدبلوماسية التي قد تواجهها. الشعب الجزائري لديه تاريخ طويل من النضال من أجل الاستقلال والكرامة، ولن يتخلى عن مبادئه في دعم حق الشعوب في تقرير مصيرها. تصريحات دريانكور التبريرية لن تنفع فرنسا ولن تشفع لها خطيئتها لدى الجزائر ولن تغير من موقف الجزائر الثابت والداعم للحقوق المشروعة للشعب الصحراوي قيد أنملة، على فرنسا أن تدرك أن السلام الحقيقي والاستقرار في المنطقة لا يمكن تحقيقهما إلا من خلال احترام حقوق الشعوب والالتزام بالشرعية الدولية.
القرار الفرنسي الأخير لن يؤدي إلا إلى تعقيد الوضع وزيادة التوترات في المنطقة في انتظار تكشف كل خبايا الصفقة، خاصة في جانبها الاستراتيجي العسكري وما منح المغرب من مزايا للاستعمار الفرنسي.
العلاقات بين الجزائر وفرنسا يجب أن تُبنى على أساس الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة، وليس على أساس الإملاءات والقرارات الأحادية التي تتجاهل حقوق الشعوب ومطالبها المشروعة. دريانكور، المنظر السياسي والمستشار الدبلوماسي لليمين المتطرف في فرنسا، يعتبر أن التغير في الموقف الفرنسي ليس مفاجأة وكان متوقعًا. هنا يجب التأكيد أن الجزائر كانت واضحة دائمًا في مواقفها الداعمة للشرعية الدولية وحقوق الشعوب في تقرير مصيرها، وأن هذا التغيير في الموقف الفرنسي يعكس انحيازًا غير مقبول ومناورة دبلوماسية تخدم مصالح ضيقة. كما يدعي المستشار المتطرف أن الخطوات الفرنسية تجاه الجزائر لم تلق استجابة إيجابية دون أن يشرح لنا تلك الخطوات حتى نفهم لماذا في حال وجدت لم تلق أي اهتمام من الطرف الجزائري.
ويبدو أن دريانكور قد نسي كيف ردت الجزائر على الموقف الإسباني بعد تخليه أيضًا عن مبدأ تقرير المصير ولم يستفد من الدرس، طبعًا الاستعمار تلميذ غبي لا يستفيد من الدروس كما قال الجنرال جيبا في إحدى تصريحاته الشهيرة.
غزافييه دريانكور يشير إلى الفوائد الاقتصادية المحتملة لفرنسا والمغرب من خلال هذا القرار، ملخصًا قضية مصيرية لشعب تحت الاحتلال في مجرد صفقة تجارية ومزايا اقتصادية. يجب أن نقول لهذا الجهبذ في الدبلوماسية بأن السلام والاستقرار في المنطقة لا يمكن تحقيقهما من خلال صفقات اقتصادية على حساب حقوق الشعوب.
موقف الاتحاد الأوروبي الذي لم ينساق وراء الموقف الفرنسي وبقي على دعمه لمبدأ تقرير المصير يثبت أن القرار الفرنسي معزول ولا يملك ذرة إقناع عند شركائه الأوروبيين.
قرار فرنسا بالاعتراف بسيادة المغرب على الصحراء الغربية قد يدفع بجبهة البوليساريو للعودة لحمل السلاح وتبني الكفاح المسلح مرة أخرى عوض الدبلوماسية لتحرير أراضيها التي توجد تحت الاستعمار المغربي منذ سنة 1975. فهل هذا ما يبحث عنه أمثال دريانكور من المتطرفين الذين يمثلون التيار النيوكولونيالي الفرنسي ولا يسمعون إلا لصوت المدافع؟
نبقى في انتظار أن يشرح لنا الدبلوماسي العنصري الكاره للجزائريين طبيعة الخطوات التي قامت بها فرنسا تجاه الجزائر لنناقشها ونرد عليها.
اكتشاف المزيد من المؤشر
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
القضاء يطوي صفحة ساركوزي.. أول رئيس فرنسي يدخل السجن يوم 21 أكتوبر
يدخل نيكولا ساركوزي التاريخ من أوسع أبوابه، لا كرجل دولة استثنائي كما أراد لنفسه ذات يوم، …