‫الرئيسية‬ في الواجهة رأي الافتتاحية من يتحكم في السوق الجزائرية؟
الافتتاحية - 23 سبتمبر، 2024

من يتحكم في السوق الجزائرية؟

من يتحكم في السوق الجزائرية؟
ظاهرة اختلاق الندرة في السوق الجزائرية تمثل تحديًا كبيرًا يتطلب حلولًا مبتكرة وعملية لضمان استقرار العرض والطلب. تعليمات الرئيس لمكافحة هذه الظاهرة خطوة جادة نحو معالجة المشكلة، لكن جذورها أعمق مما يبدو. الندرة التي تطال سلعًا متنوعة، من المواد الغذائية مثل العدس واللوبيا إلى المنتجات الحيوانية مثل اللحوم، تشير إلى وجود خلل في منظومة السوق ناتج عن عوامل متعددة.

أحد أبرز التحديات هو التحكم في الأسعار والتوزيع، حيث يبدو أن هناك فئات معينة تحتكر السلع أو تستغل الظروف لرفع الأسعار. هذا الاحتكار غير المشروع يجعل المواطن العادي ضحية للمضاربة والجشع. في الوقت ذاته، يساهم غياب رقابة صارمة ومنتظمة على الأسواق في تفاقم الوضع. فعندما نرى عودة منتج مثل السردين لمجرد تصريح من وزير التجارة، يتضح أن السوق خاضع لتأثير قوى متعددة تتجاوز العرض والطلب التقليديين.

لحل هذه المشكلة بشكل جذري، يجب تبني مقاربة شاملة تتضمن تعزيز آليات الرقابة الصارمة على الأسواق وتفعيل دور السلطات المحلية في مراقبة حركة البضائع والأسعار. كما يمكن تعزيز الشفافية في عمليات الاستيراد والتصدير، لضمان أن تكون التدخلات الحكومية فعّالة ودائمة. الحلول المؤقتة، مثل استيراد اللحوم من رومانيا أو توفير المستلزمات المدرسية بأسعار مخفضة، لا يمكنها أن تضمن استدامة الاستقرار في السوق.

علاوة على ذلك، دعم المنتج المحلي في الجزائر، وخاصة في قطاع الفلاحة، يُعد فكرة حيوية لتحقيق التوازن في السوق وتقليل الاعتماد على الاستيراد. ومع ذلك، فإن الطريقة التي يُطبق بها هذا الدعم حاليًا لا تحقق النتائج المرجوة، إذ نلاحظ أن هذا الدعم لا ينعكس بشكل مباشر على السعر النهائي للمنتوج الذي يصل إلى المستهلك.

أحد الأسباب الرئيسية لهذا الخلل يكمن في طبيعة منظومة التوزيع والوساطة بين الفلاحين والمستهلكين. حيث يُمنح الفلاحون دعماً على شكل مواد أو تسهيلات مالية، لكن حلقات الوساطة التي تشمل التجار والوسطاء تسهم في رفع الأسعار قبل أن تصل المنتجات إلى الأسواق. هذا يجعل الفلاح غير مستفيد بالشكل الكامل من جهوده، كما لا يستفيد المستهلك من الأسعار المنخفضة المفترض تحقيقها من هذا الدعم.

لحل هذه الإشكالية، يجب إعادة هيكلة نظام الدعم وتوجيهه بشكل أكثر دقة نحو تحقيق توازن في الأسعار النهائية. من بين الحلول الممكنة، ربط الدعم الحكومي بتحقيق شروط معينة مثل الالتزام بتحديد أسعار معقولة أو تقديم نسب مبيعات مباشرة للمستهلكين عبر قنوات رسمية مثل التعاونيات أو الأسواق الجهوية. يمكن أيضًا العمل على تحسين سلسلة التوزيع من خلال تقليص عدد الوسطاء، مما يضمن وصول المنتجات من الفلاح إلى المستهلك بسعر أقرب للتكلفة الحقيقية.

كما يمكن تطبيق نماذج جديدة تعتمد على العقود المباشرة بين الفلاحين والموزعين الكبار أو التعاونيات، بحيث يحصل الفلاح على عائد أفضل وتستفيد الأسواق من أسعار مستقرة. بهذه الطريقة، يمكن أن يصبح دعم المنتج المحلي فعّالًا ويؤدي إلى نتائج ملموسة تعود بالفائدة على الجميع، من الفلاحين إلى المستهلكين.

في النهاية، يبقى دور المواطن مهمًا في مكافحة هذه الظاهرة من خلال التبليغ عن التجاوزات والمشاركة في تعزيز ثقافة الاستهلاك الواعي.


اكتشاف المزيد من المؤشر

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

اترك تعليق

‫شاهد أيضًا‬

القضاء يطوي صفحة ساركوزي.. أول رئيس فرنسي يدخل السجن يوم 21 أكتوبر

يدخل نيكولا ساركوزي التاريخ من أوسع أبوابه، لا كرجل دولة استثنائي كما أراد لنفسه ذات يوم، …