اغتيال بن مهيدي يفتح الجراح: هل تملك فرنسا شجاعة الاعتذار؟
جاء اعتراف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بمسؤولية الجيش الفرنسي عن اغتيال القائد الجزائري الشهيد العربي بن مهيدي خطوة مهمة في مسار طويل وشائك نحو تحقيق عدالة تاريخية، لكنها تظل ناقصة دون أن تتوج باعتذار صريح وشامل من الدولة الفرنسية عن جرائمها الاستعمارية في الجزائر.
فالاعتراف باغتيال بن مهيدي يعكس وعي فرنسا المتأخر بماضيها الاستعماري، لكنه يفتح باب التساؤلات حول مدى استعدادها للمضي قدماً نحو اعتذار كامل عن الحقبة الاستعمارية وانتهاكاتها.
خطوة صغيرة أم بداية للتصحيح؟
لا شك أن اعتراف ماكرون بمسؤولية فرنسا عن اغتيال العربي بن مهيدي يُعتبر من الناحية الرمزية خطوة متقدمة. فهذه الخطوة تعترف بمسؤولية الدولة الفرنسية عن اغتيال قائد بارز وأحد رموز المقاومة الجزائرية. إلا أن هذا الاعتراف يتعرض لانتقادات من قبل المؤرخين والمسؤولين في الجزائر، الذين يرون فيه مجرد اعتراف جزئي وجزء من “الأنشطة الذاكرية” التي تتبناها فرنسا كجزء من استراتيجيتها لتحسين العلاقات مع الجزائر دون مواجهة كاملة للتاريخ.
موقف الرئيس تبون الحازم
الرئيس عبد المجيد تبون يُعتبر من أبرز القادة في المنطقة الذين يتبنون موقفاً حازماً تجاه قضايا الذاكرة الوطنية وجرائم الاستعمار الفرنسي. تبون، المعروف بتشديده على ضرورة استعادة الحقوق التاريخية، يرفض بشكل قاطع التسامح مع جرائم فرنسا في الجزائر ويدعو باستمرار إلى اعتراف صريح واعتذار شامل يعكس احتراماً لضحايا الاستعمار وتقديراً لتضحيات الشعب الجزائري. وقد شدد تبون في العديد من المناسبات على أن ذاكرة الشهداء ومسألة الاعتراف بجرائم الاستعمار ليست موضوعاً للتفاوض أو المساومة، مما يرفع سقف المطالب الجزائرية ويعزز قوة موقفها في هذا الملف الحساس.
معوقات الاعتذار الفرنسي
هناك معوقات عديدة تقف أمام الاعتذار الفرنسي الشامل عن الجرائم الاستعمارية، تتعلق بالمصالح السياسية والدبلوماسية والضغوط الداخلية في فرنسا. إذ لا يزال الاعتراف الكامل بجرائم الاستعمار يشكل تهديداً لبعض الأصوات المتطرفة في فرنسا، التي ترى في الاعتذار طعناً في الهوية الوطنية، وهي مسألة تستغلها بعض الأطراف السياسية هناك. كما أن أي اعتذار رسمي قد يفتح المجال لمطالبات بتعويضات مالية، مما يشكل عبئاً سياسياً واقتصادياً على فرنسا. ورغم هذه التحديات، فإن موقف الرئيس تبون يشكل ضغطاً إضافياً على الحكومة الفرنسية، ويدفع نحو معالجة جدية لقضية الذاكرة بعيداً عن الحلول الرمزية أو الانتقائية.
ضرورة مواجهة الحقيقة
الطريق نحو الاعتذار يتطلب إرادة سياسية قوية وشجاعة أخلاقية من القيادة الفرنسية، تتجاوز الاعترافات الجزئية وتواجه الحقيقة بكاملها. فالاعتراف الشامل لا يعني إدانة لفرنسا الحديثة، بل يمثل قدرة الدولة على مواجهة ماضيها والتعامل معه بمسؤولية. بالنسبة للجزائر، التي تطالب برئاسة تبون باعتذار صريح وغير مشروط، فإن هذا الموقف ليس فقط تكريماً للذاكرة الجماعية، بل يشكل خطوة جوهرية نحو مصالحة تاريخية مبنية على الاعتراف والاحترام.
يمكن أن يشكل اعتذار فرنسا عن الجرائم الاستعمارية نقطة تحول حقيقية في العلاقات الجزائرية-الفرنسية ويؤسس لعلاقة قائمة على الاحترام المتبادل. فالمصالحة تتطلب شجاعة في مواجهة الماضي، وهي شجاعة يعبر عنها الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، الذي يشدد على ضرورة رد الاعتبار للضحايا وعدم السماح بتمرير التاريخ أو التسامح مع الجرائم. فالاعتذار لن يمحو آلام الماضي، لكنه يمكن أن يساهم في تهدئة جراح الذاكرة ويفتح أبواب المستقبل بين الشعبين على أسس من العدالة والتفاهم.
اكتشاف المزيد من المؤشر
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
اليمين المتطرف يهاجم الطلبة الجزائريين في فرنسا!
تعيش فرنسا منذ أسابيع على وقع جدل جديد أثارته بعض الأوساط اليمينية المتطرفة التي وجّهت سها…