العلاقات الفرنسية-الجزائرية.. إلى أين؟
وجهت الجزائر تحذيرًا قويًا لفرنسا عبر سفيرها في الجزائر، الذي قدم لها جميع الأدلة التي تثبت نشاط بلادها ومخابراتها المعادية بهدف زعزعة استقرار الجزائر. بدأ ذلك بإرسال أسلحة إلى حركة انفصالية، مرورًا بدعم حركات مصنفة إرهابية حسب القانون الجزائري، وصولًا إلى عمليات التجسس المفضوحة في البلاد. كما تم تسجيل تصريحات مستمرة من رموز تيار اليمين المتطرف وقدامى الكولون ضد الجزائر، سواء كان السبب مبررًا أو غير مبرر. الجزائر تعتبر هذه التصريحات غير مقبولة، وتحمّل الحكومة الفرنسية مسؤولية السكوت عنها، إذ تعرف الجزائر ما تمثله هذه التصريحات وما تخفيه ومن وراءها.
تدهور العلاقات الفرنسية-الجزائرية بدأ مع بروز حرص الجزائر على التفاوض الجاد في كل صغيرة وكبيرة، من باب إعلاء مصالح الجزائر وشعبها. انتهت عمليات النهب والنصب ومنح فرنسا عقودًا تجارية أو مشاريع بالمجاملات. أصبحت الجزائر أكثر حماية لأموال ومصالح شعبها، وقامت بتنويع علاقاتها مع دول أوروبية أخرى فاعلة للاستفادة اقتصاديًا من المنافسة والتخلص من العلاقات الثنائية الخانقة. هذا بالطبع أزعج فرنسا التي فقدت مداخيل ضخمة كانت تدرها عليها الاقتصاد الجزائري مقابل لا شيء، وفي بعض الأحيان مقابل تصريحات دعم لا تفيد الجزائر بل تبتزها.
مع صعود التيار الوطني في الجزائر وتحكمه في زمام الأمور سياسيًا واقتصاديًا، أصبح من الواضح أن مصالح فرنسا ستتضرر، لأنها كانت مبنية على أسس غير اقتصادية وعلاقات مشبوهة مع قوى جزائرية كانت أقرب إلى العمالة لفرنسا منها للدفاع عن مصالح الجزائر.
اليمين المتطرف الفرنسي، الذي يمثل تيار قدامى الكولون، أصبح ينتقد الجزائر على مدار الساعة عبر القنوات الفرنسية الرسمية أو في البرلمان الأوروبي، بإيعاز من نواب فرنسيين بعضهم صهاينة، وفي بعض التصريحات الرسمية كما ظهر خلال زيارة ماكرون إلى المغرب حيث ألمح في بعضها إلى الجزائر.
كل هذا أصبح لا يُطاق من الجانب الجزائري الذي تحرك في عدة مناسبات لإظهار انزعاجه من هذه التصرفات والتوجيهات. من ذلك سحب السفير الجزائري في باريس للتشاور، إلغاء زيارة الرئيس المقررة لفرنسا، وانقطاع التواصل الرسمي مع باريس على أعلى مستوى من هرم السلطة في الجزائر.
وكان اعتراف فرنسا بـ “مغربية” الصحراء الغربية بمثابة “القطرة التي أفاضت الكأس”، حيث اعتبرتها الجزائر انزلاقًا خطيرًا من عضو دائم في مجلس الأمن، الذي يُفترض أن يكون ضامنًا للحياد على الأقل. وعليه، وجب مراجعة العلاقات مع فرنسا، خاصة وأن التحالف قد يخفي أمورًا خطيرة ستكشفها الأيام، وقد يكون لها جانب عسكري وأمني معاد للجزائر، يحضر لضرب استقرارها وتهديد أمنها وسلامتها. الجزائر لم تنسَ تدخل الطائرات الحربية الفرنسية في حرب الصحراء الغربية.
ما تقوم به المخابرات الفرنسية من محاولات لضرب استقرار الجزائر ينبئ بوجود خطة محكمة، واتجاه نحو محاولة تشكيل تحالف ثلاثي يضم المغرب وفرنسا والكيان الصهيوني ضد الجزائر. وفي المقابل، تحركت الجزائر لدعم حركة استقلال الريف المغربي التي تهدف إلى إعادة إحياء جمهورية عبد الكريم الخطابي، المدفون في القاهرة، والتي ما زالت رفاته ترعب النظام المغربي والعائلة العلوية الحاكمة.
كل المؤشرات تثبت أن فرنسا أصبحت تتحرك ضد الجزائر، ولذلك جاء الرد الجزائري قاسيًا وحادًا ومهددًا، وتلقت فرنسا تحذيرات قوية عبر سفيرها في العاصمة الجزائرية. وللتذكير، فإن فرنسا لديها العديد من السياسيين الذين لا يوافقون التحركات الرسمية المعادية للجزائر، مثل دو فليبان الذي وصف الجزائر بأنها “دولة شقيقة”، وهو مصطلح لا يُطلق إلا على العلاقات بين البلدان العربية فقط. كما أن لدى الجزائر الكثير من الأصدقاء الفاعلين وسط الطبقة السياسية الفرنسية الذين نددوا بالاختيار المغامر لرئيس فرنسا ماكرون المعزول سياسيًا بالتحالف مع المغرب على حساب الجزائر، واعتبروا ذلك خطأ استراتيجيًا لا يغتفر.
الرد الجزائري الحاسم، الذي يقترب من القطيعة مع فرنسا، سينقل الصراع إلى الداخل الفرنسي بين معارضين ومساندين لعلاقات قوية مع الجزائر، البلد الاستراتيجي في جنوب المتوسط، كما تؤكد آخر دراسة لمركز التفكير الأمريكي “راند كوربوريشن” التي قدمت نصائح للبيت الأبيض بتفضيل التقرب من الجزائر لدورها الاستراتيجي والمحوري في المنطقة.
العلاقات الفرنسية-الجزائرية تمر بأحلك أيامها منذ أن أصبحت السلطة في الجزائر بين أيادي وطنية آمنة لا تتسامح ولا تتهاون في الدفاع عن مصالح الشعب الجزائري.
اكتشاف المزيد من المؤشر
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
الجزائر لا تُنسى… ومن يتجاهلها يُخطئ في حقّ الوفاء
صرّح ممثل حركة “حماس” في الجزائر، للإذاعة الجزائرية الدولية، بشأن التصريحات ال…