‫الرئيسية‬ الأولى المخابرات الفرنسية في مواجهة فضيحة مدوية بالجزائر: هل تُدار الجماعات الإرهابية من باريس؟
الأولى - الوطني - 18 ديسمبر، 2024

المخابرات الفرنسية في مواجهة فضيحة مدوية بالجزائر: هل تُدار الجماعات الإرهابية من باريس؟

المخابرات الفرنسية في مواجهة فضيحة مدوية بالجزائر: هل تُدار الجماعات الإرهابية من باريس؟
تشهد العلاقات الجزائرية-الفرنسية توترًا جديدًا إثر كشف الجزائر عن محاولة قادتها المخابرات الفرنسية (DGSE) لاستهداف أمنها القومي. هذا التطور، الذي وصفته الجزائر بأنه “عمل عدائي مباشر”، أثار جدلًا محليًا ودوليًا واسعًا، لا سيما مع الأهداف التي سعت فرنسا لتحقيقها عبر إعادة تنشيط خلايا إرهابية نائمة لخدمة مصالحها السياسية والاستراتيجية.

تم الكشف عن تفاصيل هذه المؤامرة في وثائقي بعنوان “فشل المؤامرة.. صقور الجزائر تنتصر”، بثه التلفزيون الجزائري، وقدم توثيقًا لجهود الأجهزة الأمنية الجزائرية في إفشال المخطط المعقد.

تركز المخطط الفرنسي على استغلال الشاب الجزائري محمد أمين عيساوي، وهو شاب سبق أن انخرط في صفوف تنظيم داعش بسوريا والعراق. وُلد عيساوي في ولاية تيبازة ونشأ في إسبانيا، حيث استقطبه التنظيم الإرهابي عبر مواقع التواصل الاجتماعي. بعد انضمامه لداعش، شارك في معارك التنظيم وحمل لقب “أبي ريان”، قبل أن يُصاب خلال معركة الفلوجة ويتم اعتقاله. لاحقًا، نُقل إلى تركيا حيث خضع لإجراءات قانونية بتنسيق القنصليتين الفرنسية والإسبانية، قبل ترحيله إلى الجزائر لقضاء عقوبة بالسجن انتهت في عام 2019.

بعد إطلاق سراحه، عاد عيساوي تدريجيًا إلى حياته الطبيعية، إلا أنه أصبح هدفًا للمخابرات الفرنسية التي سعت لاستغلال تجربته السابقة. في عام 2022، تلقى عيساوي اتصالًا من جمعية فرنسية تُدعى “أرتميس”، يُشرف عليها بوياد جيان جيلس، المستشار السابق لوزير الداخلية الفرنسي، ورشيد بن زين، المغربي-الفرنسي المقرّب من الملك المغربي. الجمعية، التي تتخفى وراء العمل الإنساني، عرضت على عيساوي مساعدته في حذف ملفه من “القائمة السوداء” لوزارة الدفاع الفرنسية وتسهيل عودته إلى إسبانيا.

كان جهاز الأمن الجزائري يراقب الوضع عن كثب، وفي أبريل 2023، رتب لقاءً لعيساوي مع أحد أعضاء الجمعية، الذي تبين لاحقًا أنه ضابط في المخابرات الفرنسية. طلب الضابط من عيساوي تنفيذ مهام تشمل التقرب من المتطرفين في الجزائر العاصمة، مراقبة مواقع الكاميرات ودوريات الشرطة، والتحضير للانتقال إلى النيجر.

عيساوي، بتوجيه من الأجهزة الأمنية الجزائرية، واصل تعاونه مع الجمعية، مما مكّن الأمن الجزائري من كشف تفاصيل المخطط وإحباطه بالكامل. الوثائقي الجزائري قدّم أدلة قاطعة على تورط فرنسا في دعم الإرهاب، معيدًا إلى الأذهان دورها المشبوه في العشرية السوداء والهجمات الإرهابية في فرنسا منذ التسعينيات وحتى العمليات الأخيرة.

تعامل السلطات الجزائرية مع الموقف عكس استراتيجية ذكية، حيث سمحت المخابرات الجزائرية للمخطط الفرنسي بالاستمرار حتى تم ضبطه في حالة تلبس. هذه الخطوة مثّلت إحراجًا كبيرًا لفرنسا، ما دفع الجزائر إلى استدعاء السفير الفرنسي لتقديم تفسيرات بشأن ما وصفته بالتصعيد الخطير ضد سيادتها وأمنها القومي.

تزامن الكشف الجزائري مع مخاوف أوروبية متزايدة من تمدد الجماعات المسلحة في سوريا ومنطقة الساحل، إلى جانب الأزمات الاقتصادية في أوروبا والحرب في أوكرانيا. ويبدو أن فرنسا تسعى لاستخدام الإرهاب كأداة للضغط السياسي، وهو نهج يعود إلى عقود ماضية، حيث كانت تدين الإرهاب علنًا بينما تدعمه سرًا لتحقيق مصالحها.

القضية أثارت جدلًا حول تصريحات سابقة للسياسي الفرنسي لوران فابيوس، حين وصف تنظيم “النصرة” الإرهابي في سوريا بأنه “يقوم بعمل جيد”. حينها، اعتبرت الجزائر هذا التصريح دليلًا على تورط فرنسا في دعم الإرهاب. واليوم، جاءت الأدلة الجديدة لتعزز هذا الاتهام وتفضح استمرار النهج الفرنسي.

محاولة فرنسا هذه تأتي في ظل توترات متزايدة بين الجزائر وباريس، وتعيد إلى الأذهان أحداثًا سابقة، مثل أزمة تهريب أميرة بوراوي إلى فرنسا في فبراير 2023. بالنسبة للجزائر، يمثل إحباط هذا المخطط انتصارًا أمنيًا ودبلوماسيًا، ويبرز يقظة أجهزتها الأمنية وقدرتها على التصدي لتحديات معقدة.

داخليًا، تجد فرنسا نفسها في موقف صعب أمام المجتمع الدولي، حيث تواجه تساؤلات عن مصداقيتها كشريك في مكافحة الإرهاب. خارجيًا، قد تتراجع مكانة فرنسا في منطقة المغرب العربي ومنطقة الساحل، مما يفتح المجال أمام قوى أخرى لتعزيز حضورها.

هذه الفضيحة تمثل فصلًا جديدًا في العلاقة المضطربة بين الجزائر وفرنسا. وبينما تعزز الجزائر سيادتها وتكشف ازدواجية المواقف الفرنسية، تجد باريس نفسها أمام تحديات متزايدة لتبرير أفعالها على الساحة الدولية.


اكتشاف المزيد من المؤشر

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

اترك تعليق

‫شاهد أيضًا‬

لقاء موسّع بين وزير الاتصال والنقابات…

يواصل وزير الاتصال زهير بوعمامة خطواته الميدانية لإعادة بعث ديناميكية جديدة في قطاع الإعلا…