الجزائر تستبق الأحداث.. قانون التعبئة العامة وتحديات المرحلة
صادقت الجزائر، للمرة الثالثة منذ الاستقلال، على قانون التعبئة العامة، في خطوة بالغة الأهمية تعكس استعداداً لمواجهة تهديدات محتملة، سواء على الصعيد الداخلي أو الإقليمي أو الدولي. هذه المصادقة ليست وليدة لحظة طارئة، بل جاءت عقب قراءة دقيقة لمؤشرات خطيرة تلوح في الأفق، وسعياً لتفادي عنصر المفاجأة الذي غالباً ما يكون مكلفاً في لحظات الأزمات الكبرى.
صحيح أن الجزائر ليست مهددة أكثر من غيرها من الدول الكبرى – مثل الولايات المتحدة، روسيا، الصين أو حتى فرنسا – إلا أن الجميع، في ظل الوضع العالمي المتوتر، بات يعيش على حافة الانفجار، حيث قد تندلع حرب كبرى في أية لحظة، حتى نتيجة خطأ بسيط كما حدث في محطات تاريخية سابقة.
ما يميز المرحلة الحالية هو هشاشة النظام الاقتصادي العالمي، حيث تمر الرأسمالية بأزمة عميقة قد تؤدي، كما في كل مرة تاريخياً، إلى حروب طاحنة. لكن الاختلاف اليوم أن أية حرب مقبلة قد تكون بمثابة نهاية للعالم، في ظل الترسانة النووية الهائلة والارتباط الشامل بين الدول. ولهذا السبب بدأت عدة دول – حتى في الاتحاد الأوروبي – بنصح مواطنيها بتخزين المواد الأساسية تحسباً لأي طارئ. وقد ربط البعض تلك التوصيات بمحاولة اغتيال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، التي تحدث عنها الرئيس الأوكراني زيلينسكي في باريس، قبل أن تتبدد دون تحقق.
في هذا السياق، تأتي خطوة الجزائر بتمرير قانون التعبئة العامة كاستجابة عقلانية لما تفرضه اللحظة من تحضيرات استباقية. قراءة التاريخ جيداً، كما فعلت الجزائر، تعني أن تتجهّز اليوم لما قد يحدث غداً، حتى لا تكون ضحية للغفلة أو التأخر في اتخاذ القرار.
ما حدث مؤخراً على الحدود الجنوبية مع مالي لم يكن محض صدفة، بل كان جزءاً من مخطط ممنهج لتحريك جبهة توتر بهدف إرباك الجزائر. يقف وراء هذا المخطط محور معروف الأهداف والمصالح، يتشكل من المروك، فرنسا، وإسرائيل. الهدف المعلن أو غير المعلن لهذا الحلف هو استنزاف الجزائر وإيقاف ديناميكيتها التنموية، التي باتت تزعج جهات لا تريد رؤية الجزائر تنهض كقوة إقليمية مستقلة.
فرنسا – التي كانت تاريخياً تحتكر السوق الجزائرية – خسرت الكثير من مصالحها بعد التحولات السياسية والاقتصادية في عهد الرئيس تبون، الذي أعاد توجيه البوصلة نحو استعادة السيادة الاقتصادية. بكاء الشركات والمزارعين الفرنسيين على خسارة السوق الجزائرية يكشف الكثير. أما المروك، فمثل باريس أو أكثر، لا يروق له أن ترى الجزائر تحقق استقلالاً اقتصادياً وتنمية شاملة، وهو ما يفسّر مستوى العداء المتصاعد من جانبه.
قانون التعبئة العامة جاء أيضاً في أعقاب زيارة خاطفة لوزير الخارجية المصري إلى الجزائر، ما يعكس وجود تنسيق عالي المستوى بين العاصمتين. فالوضع في الشرق الأوسط يتجه نحو التصعيد، خصوصاً بين مصر وإسرائيل. وهناك مؤشرات متزايدة على إمكانية حدوث مواجهة عسكرية مباشرة، الأمر الذي يتطلب تحضيراً جاداً من جميع الأطراف.
الجزائر، العضو الفاعل في محور بدأ يتشكل بهدوء ويضم إلى جانبها القاهرة والرياض، تبدو واعية لحجم المخاطر التي تهدد آخر القوى المتبقية في العالم العربي. إسرائيل لن تهدأ حتى تدمّر القدرات العسكرية والاقتصادية لمصر والجزائر، وتُنهي البرنامج النووي الإيراني. ولهذا، فإن قانون التعبئة قد يكون جزءاً من استراتيجية دفاعية شاملة استعداداً لسيناريوهات أكثر تعقيداً في المنطقة.
منذ وصول الرئيس عبد المجيد تبون إلى الحكم، ظهرت ملامح مشروع وطني جاد يعيد الاعتبار لمؤسسات الدولة، ويستبق الأخطار بعقلانية وتخطيط. لم تعد الجزائر تكتفي بردود الفعل، بل صارت تتخذ مواقف استباقية، من منطلق أن السيادة تُحمى بالقوة والتخطيط، لا بالتمنّي.
التعبئة العامة ليست إعلان حرب، لكنها رسالة بأن الجزائر مستعدة لكل الاحتمالات، وأنها تقرأ التحولات بدقة، وتتحرك بناءً على فهم عميق للتاريخ والجغرافيا وموازين القوى.
اكتشاف المزيد من المؤشر
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
الجزائر لا تُنسى… ومن يتجاهلها يُخطئ في حقّ الوفاء
صرّح ممثل حركة “حماس” في الجزائر، للإذاعة الجزائرية الدولية، بشأن التصريحات ال…