‫الرئيسية‬ الأولى لماذا يخيف محمد مزيان دعاة الفوضى؟
الأولى - الوطني - مقالات - 2 مايو، 2025

لماذا يخيف محمد مزيان دعاة الفوضى؟

لماذا يخيف محمد مزيان دعاة الفوضى؟
بماذا يمكن تفسير حملة التشويه التي تم إطلاقها حتى قبل أن يُلقي الدكتور محمد مزيان، وزير الاتصال، الكلمة الختامية لسلسلة اللقاءات الجهوية حول وضع الصحافة الوطنية وآفاقها؟ فبالرغم من أن الوزير أقدم على منح منصة غير مسبوقة منذ أكثر من عقدين من الزمن لمحترفي الإعلام والاتصال، تتيح لهم إجراء تقييم حقيقي لحالة الإعلام الجزائري في ضوء متطلبات حروب الجيل الخامس، إلا أن ذلك لم يشفع له لدى أبواق تجار الفوضى الذين يتسترون وراء ادعاءات حرية التعبير.

وبغض النظر عن بعض الأصوات “المعارضة” المعروفة بمرارتها بسبب لفظها من طرف هذه المهنة القاسية، فضلاً عن بعض الأقلام التي دأبت على التشكيك، من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، في كل ما يمت بصلة إلى الجهود المبذولة للارتقاء بقطاع الاتصال، فهناك أصوات قليلة تعمد إلى خلق جو من الصخب على اليوتيوب، ظنًا منها أنها بذلك تجعل صوتها مسموعًا.

وقد انضمت هذه الأصوات، الصادرة من موقع يوتيوب والمبثوثة من فرنسا، إلى حملة إعلامية عنيفة ومعادية للجزائر بشكل علني، يغذيها تيار سياسي مغالٍ مشكل من أولئك الذين يشعرون بالحنين إلى الزمن الذي كانت فيه الجزائر “مقاطعة فرنسية”.

“في الصحافة، الرجل الصادق هو من يتقاضى أجرًا مقابل رأيه؛ أما الكاذب فهو من يتقاضى أجرًا مقابل رأي لا يملكه”. هذه الكلمات التي قالها الأخوان “إدموند وجول دي غونكور”، المعروفان بولعهما بالأدب والصحافة، لها صدى خاص اليوم. وللأسف، لقد تم تشويه جائزتهما القيمة مؤخرًا، إذ تم حشرها في السياسة من خلال هجوم غير مسبوق عبر الإصدارات الأدبية ضد كل ما يمثل الجزائر، والذي تم التخطيط له بمكر في فرنسا، لصنع “كاتب من العدم” بإسدائه هذه الجائزة المرموقة.

تنطبق هذه الكلمات تمامًا على هذا “الرباعي” مما يسمى بالمؤثرين على موقع يوتيوب، المقيمين في فرنسا. فهذا “الرباعي” يجتهد في نفث سمومه لضرب كل ما يمثله بلدهم. ويوجد ضمنهم ذلك الذي يعتبر نفسه محترفًا إلى حد إسداء الدروس في المهنية لغيره، إذ تجده في فيديوهاته دائم الاستدلال بمفهوم لا يعي فحواه: ألا وهو “الموضوعية”. ومن المعروف عن هذا “اليوتيوبر” أنه يدافع عن رأي ليس رأيه، بل تمليه عليه مصالح أجنبية، وخاصة “المخزن”، الذي يمول إقامته الطويلة في العاصمة الفرنسية. وقد تميز هذا المتعاون السابق مع قناة “i24” الإخبارية الإسرائيلية مؤخرًا بدفاعه المستميت عن نشاطات “الماك” في فرنسا، حيث عمل كمدافع عن التوجهات الهدامة لهذه المنظمة الإرهابية.

إننا بحق أمام “خنذريش” العصر الحديث، وهو من حركى النقيب “بول ليجي”، الذي استعمله لتفكيك الشبكات الفدائية لجبهة التحرير بالجزائر العاصمة. فقد أطلق خطابًا عدائيًا، مزج فيه بين القذف والسب، ووجّهه ضد الجامعي والدبلوماسي ووزير الاتصال، الدكتور محمد مزيان. وكانت له سقطة لغوية ومعرفية تدل على مستواه المتدني، الذي يحتاج إلى ترميم ورسكلة. فهو لا يدرك أن “الترجمة الرقمية” ليست موثوقة دائمًا، إذ خلط بين مصطلحي “الواقع” و”الحدث” (Réalité et évènement) فيما اعتبره انتقادًا لخطاب الوزير في اللقاء الجهوي الرابع والأخير لمهنيي الإعلام والاتصال بالجزائر العاصمة. وقد اعتمد السيد الوزير في خطابه على عبارة معروفة على نطاق واسع، ألا وهي: “المعلومة مقدسة والتعليق حر”. وفضّل استعمال مقولة بالعربية يرددها كثيرًا أصحاب المهنة: “الواقعة مقدسة والرأي حر”. وفي خضم تسرّعه النابع عن غروره المهني، أبان عن ضحالة مستواه، وكشف للعامة عن خوائه الفكري.

إن التاريخ لا يرحم. فالفضاء الرقمي الذي يستغله للتقيؤ على بني جلدته، لا يزال يحتفظ بتسجيلات صوتية، تفضح تعامله مع رجل أعمال فاسد مسجون حاليًا. كما لا يزال يحتفظ بمشاركته النشطة على قناة “الأمل” في الترويج لفكرة العهدة الرئاسية الخامسة لمرشح طريح الفراش، كان يصارع الموت.

وبقدرة الفضاء الرقمي، الذي لا يستند إلى مرجعيات معروفة في ميدان الصحافة، أصبح هذا الشخص محاضرًا في الأخلاق المهنية. فهذا الذي يدّعي أنه مدافع عن حرية التعبير، والذي يقدّم نفسه كمختص في الصحافة الاستقصائية من غرفة نومه في باريس، يتصرف كـ”شخص لا يميز بين الألوان السياسية باستثناء اللونين الأسود والأبيض”. بالنسبة له، كل ما تم إنجازه وكل ما يتم إنجازه في الجزائر لا يستحق الاهتمام. وفي تحقيقاته الزائفة، يجتهد في البحث عن العيوب حيث لا توجد، متجاهلاً عملية تقييم قطاع الصحافة التي بادر إلى تنظيمها السيد وزير الاتصال وتوصيات المهنيين لمعالجة النقائص والنهوض بالقطاع من خلال الاجتماعات الجهوية الأربعة.

وبالرغم من أن “أفضل علاج للإهانات هو احتقارها”، كما قال الكاتب الإسباني “ماتيو أليمان”، المعاصر للروائي “سرفانتس”، مؤسس الرواية الحديثة، فإنه من الضروري أن ننير القراء بشأن أهداف هؤلاء الذين امتهنوا السب، القذف والتجريح على شبكة الإنترنت. فقد أقدموا، حتى قبل نشر توصيات اللقاءات الجهوية لمهنيي قطاع الاتصال، على شن هجوم جماعي على السيد الوزير، مما يفضح امتعاض آمريهم وأسيادهم من المشروع.

ومن الواضح أن هؤلاء الذين يمارسون “البهرجة السياسية” على يوتيوب، والذين لا يتورعون عن المزايدة على المفاهيم النبيلة للمهنة، قد أزعجتهم مبادرة “جبهة إعلامية موحدة” لمواجهة الحرب الإعلامية المفروضة على الجزائر من قبل نفس الوكالات التي يخدمونها والتي أصبحت اليوم معروفة لدى القاصي والداني. إن هذه الحملة الشعواء تجد تفسيرًا في حالة الهلع التي أصابت أولئك الذين يسعون لضرب الرغبة التي أبدتها السلطات العمومية في وضع استراتيجية اتصالية قادرة على إعادة وسائل الإعلام الوطنية إلى المسار الصحيح، الذي يكفل لها مواجهة التدفق السريع والرهيب للمعلومات الخبيثة والأخبار الكاذبة والشائعات، التي تهدف إلى خلق الشك والبلبلة لدى القراء.

وكمثال على هذه المساعي، نسرد تلك التصريحات الكاذبة والمنسوبة للسيد الوزير، والتي لم يُدلِ بها قط، حيث زعمت إحدى الصفحات على الفايسبوك، والمعروفة بنشرها لمضامين مغلوطة، أن الوزير صرّح بأنه أرسل أبناءه إلى فرنسا للدراسة وتعليمهم كيفية محاربة هذا البلد “باستعمال العلم والتكنولوجيا”.

وبالنظر إلى سرعة انتشار هذا الخبر الكاذب، فواضح أنه يدخل ضمن مخطط يسعى لضرب مصداقية وزير الاتصال ونجاعة ما أقدم عليه بإشراك مهنيي قطاع الاتصال من دون إقصاء. فبالرغم من النفي القاطع والرسمي من قبل صحيفة “الحياة”، المتهمة زورًا بكونها مصدر هذا الخبر، فإن هذه المعلومات الكاذبة لا تزال تغذي النقاشات على بعض صفحات التواصل الاجتماعي، المعروفة بنشرها للافتراءات والإشاعات والأخبار الكاذبة، عوض أن تسعى إلى ترسيخ الحقيقة.

وقد جاء ناشط آخر على يوتيوب، أو يسمى هكذا، معروف بولعه المرضي بالصراخ لفرض آرائه واستمالة الحشود بخرجاته البهلوانية، لينضم إلى هذه الهجمة الإعلامية عبر شبكات التواصل الاجتماعي. فهو لا يتوانى عن الخلط بين التفاهة والشجاعة في خطاباته المسعورة، والتي يبدو أنه أطلقها بأمر من صديقه الذي عمل في القطاع لفترة قبل أن يتم فصله. فقام بالتفوه بكلمات جارحة في حق السيد الوزير وسخر من أسلوبه في الكلام. فهذا “الوطني” المناسباتي، الذي يجعل من الوطنية ظاهرة صوتية، والمعروف عنه تسرعه وتفانيه في الدفاع عن رأي من يدفع له أكثر، دفع بغطرسته إلى حد عدم احترام الآخرين، لأنه أصبح ومنذ فترة طويلة غريبًا عن المهنة وعن أخلاقياتها.

وللبرهنة على امتلاكه لمهارات العرض الخطابي على يوتيوب، يقوم هذا “المهرج” على شبكة الإنترنت بتحويل ظهوره في الفضاء الأزرق إلى مشاهد غريبة، مطلقًا العنان لخطاباته اللاذعة، حيث تحل الإهانات والإساءة والتشهير محل أي تحليل منطقي، وحيث لا يتورع عن استعمال كلمات خادشة للحياء العام.

ومن خلال إثارة الشكوك حول جدوى اللقاءات الجهوية التي بادر بها السيد وزير الاتصال، فإن هذه الحملة التشويهية والطريقة التي أُطلقت بها، تؤكد بشكل صارخ صحة هذا المشروع، الذي شدد فيه المهنيون على ضرورة إنشاء هيئات تنظيمية للصحافة المكتوبة والإلكترونية والسمعية البصرية، فضلاً عن الإسراع في تنصيب أعضاء مجلس أخلاقيات المهنة، لتمكين النظراء من إعادة تنظيم هذا القطاع.

لا يبدو أن هناك من بمقدوره وضع حد لهذا الهيجان على الإنترنت، والذي يهدف إلى خلق حالة من الفوضى، من خلال نشر الأخبار الكاذبة والشائعات والدعاية. فكما يقول المثل: “إذا لم تستحِ، فافعل ما شئت”. وعليه، فإن مشروع إنشاء جبهة إعلامية وطنية موحدة يجد أهميته في ضرورة مواجهة مروجي التضليل الإعلامي وممتهني نشر الخراب والفوضى.


اكتشاف المزيد من المؤشر

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

اترك تعليق