الغاز مقابل الشرعية.. الكيان الصهيوني في مياه الصحراء الغربية!
لا تزال قضية الصحراء الغربية واحدة من أعقد الملفات غير المحلولة في شمال إفريقيا، منذ انسحاب الاستعمار الإسباني عام 1975. فبينما يواصل المغرب فرض سيطرته على هذا الإقليم الشاسع، يتمسك جبهة البوليساريو، بدعم صريح من الجزائر، بحق الشعب الصحراوي في تقرير مصيره، كما تقرّه القرارات الأممية.
هذا النزاع الطويل لم يعد محصورًا في أروقة السياسة، بل أخذ أبعادًا اقتصادية وجيوستراتيجية خطيرة، مع دخول فاعلين جدد على الخط، أبرزهم الكيان الصهيوني.
في خطوة استفزازية جديدة، قام المغرب بمنح ترخيص للتنقيب عن الغاز في منطقة “بوجدور الأطلسية”، الواقعة قبالة سواحل الصحراء الغربية المحتلة. يمتد الترخيص على مساحة تقارب 29 ألف كيلومتر مربع، وتم منحه لتحالف يضم الشركة المغربية “أداركو” وشركة “نيو ميد إنرجي” الصهيونية (المعروفة سابقًا باسم “ديليك”). ويحتفظ المكتب الوطني للهيدروكربورات والمعادن المغربي بحصة 25% من المشروع، بينما تتقاسم الشركتان الباقي مناصفة.
ورغم أن المشروع يقدَّم بعبارات تقنية واستثمارية، إلا أن موقعه الجغرافي والطرف الأجنبي المنخرط فيه – تحديدًا الكيان الصهيوني – أثارا حفيظة الأطراف الإقليمية والدولية. إذ عبّرت سلطات جزر الكناري الإسبانية، وعلى رأسها التحالف القومي الكناري والحكومة المحلية، عن قلقها العميق من تداعيات هذا النشاط في منطقة بحرية حساسة. وتخشى هذه السلطات من “تصعيد بحري” يهدد التوازن البيئي، ويضر بمصالح الصيادين، ويزيد من توتر العلاقات بين مدريد والرباط.
التحاق شركة صهيونية بهذا المشروع الحساس لا يمكن اعتباره أمرًا عابرًا. فمنذ إعادة تطبيع العلاقات بين المغرب والكيان الصهيوني، تكثّفت المشاريع الثنائية في مجالات الدفاع والتكنولوجيا والزراعة. وها هو التطبيع يمتد إلى موارد الشعوب المحتلة، بتواطؤ صارخ مع الاحتلال المغربي للصحراء الغربية.
بالنسبة للكيان الصهيوني، فإن هذا التوغل في الأطلسي لا يتعلق فقط بالغاز، بل هو جزء من استراتيجية توسعية تهدف إلى التمركز الجيوسياسي في فضاء يمتد من غرب إفريقيا إلى أوروبا، في وقت يزداد فيه الضغط على موارد الطاقة. أما بالنسبة للمغرب، فالمشروع يمثل محاولة لتعزيز سيادته المزعومة على الإقليم المحتل، مستخدمًا الاستثمار الاقتصادي كأداة سياسية.
في خضم هذا التحرك الخطير، يبرز الموقف الجزائري كالصوت الوحيد الذي لا يزال متمسكًا بحق الشعوب في السيادة على مواردها. الجزائر، التي لم تتنازل يومًا عن دعمها الثابت للقضية الصحراوية، ترى في مثل هذه الخطوات خرقًا للقانون الدولي، ومحاولة لتكريس واقع استعماري بالقوة الاقتصادية والدبلوماسية.
ورغم صمت المجتمع الدولي وتواطؤ بعض العواصم الغربية، لا سيما مدريد، التي تجد نفسها في مأزق بين الدفاع عن مصالحها البحرية ومجاملتها للمغرب، فإن الجزائر تؤمن بأن الحق لا يسقط بالتقادم، وأن تطبيع الاحتلال – سياسيًا أو اقتصاديًا – لا يمنحه الشرعية.
إن إدخال عنصر الطاقة في ملف الصحراء الغربية ينذر بتحول النزاع من خلاف سياسي إلى أزمة إقليمية متعددة الأبعاد. المشروع الأخير لا يهدد فقط وحدة أراضي الصحراء الغربية، بل يُمكن أن يزعزع استقرار المنطقة ككل، ويعيد إشعال التوتر بين الضفتين الغربية والأوروبية.
الجزائر لا تقف فقط مع الشعب الصحراوي، بل تقف مع مبدأ الحق الدولي ورفض الاحتلال، ومع الدفاع عن سيادة الشعوب على مواردها. أما انخراط الكيان الصهيوني في هذا الملف، فهو بمثابة استفزاز خطير ومحاولة لجرّ المنطقة إلى لعبة نفوذ خطيرة قد تكون لها عواقب لا تُحمد عقباها.
اكتشاف المزيد من المؤشر
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
لقاء موسّع بين وزير الاتصال والنقابات…
يواصل وزير الاتصال زهير بوعمامة خطواته الميدانية لإعادة بعث ديناميكية جديدة في قطاع الإعلا…