‫الرئيسية‬ الأولى أيها النائب بلخير زكرياء “المطربش”… الطربوش لا يصنع الأصالة.. والشافعي ليس مرجعية الجزائريين
الأولى - الوطني - مقالات - 27 مايو، 2025

أيها النائب بلخير زكرياء “المطربش”… الطربوش لا يصنع الأصالة.. والشافعي ليس مرجعية الجزائريين

أيها النائب بلخير زكرياء "المطربش"... الطربوش لا يصنع الأصالة.. والشافعي ليس مرجعية الجزائريين
استعرض النائب البرلماني بلخير زكرياء، عن حركة مجتمع السلم (حمس)، في مشهد غير مسبوق داخل قبة البرلمان، رمزية لباس تقليدي مزعوم، حين ارتدى عباءة وطربوشًا أحمر ذا طابع تركي، قبل أن ينزعهما مع انطلاق مداخلته قائلاً بصوت مرتفع: “هذا لباس أجدادنا، لباس جزائري أصيل، لم نأتِ به من الخارج، ولا نحتاج من يُعطينا دروسًا في الوطنية. نحن أبناء هذا الوطن، ونعرف تاريخه وثقافته.”

“الإمام الشافعي أحد أئمة الإسلام الأربعة، والاستشهاد به لا يعني إلغاء المالكية أو الإباضية. نحن مع الإسلام الوسطي، نرفض الغلو والتشدد، ونرفض أيضًا فرض مرجعية واحدة باسم الوطنية.”

غير أن ما بدا وكأنه “استعراض رمزي” للهوية، كان في الواقع رسالة ضمنية ومعلنة في آن واحد، إذ تعمّد بلخير زكرياء هذا الظهور تضامنًا مع زميله في الحزب عبد السلام بشاغا، الذي تعرض سابقًا لانتقاد لاذع من طرف وزير الاتصال محمد مزيان، على خلفية مداخلة أثارت جدلاً داخل البرلمان وخارجه.

محاولة بلخير زكرياء الدفاع عن زميله اتخذت شكل استعراض مسرحي لا يخلو من الدلالات.. الطربوش، العباءة، والاستشهاد بالإمام الشافعي، كلها عناصر أُقحمت في سياق سياسي، للرد على خصومه داخل المؤسسة التشريعية، وتوجيه رسالة سياسية مغلّفة بالدين والتقاليد.

لكن ما أغفله النائب هو أن الطربوش الذي ارتداه ليس جزائريًا، بل جزء من الزي التركي الذي لم يكن يومًا يعكس الهوية الوطنية الأصيلة.

الأخطر في خطاب النائب لم يكن الطربوش، بل استشهاده بالإمام الشافعي. فهذا الإمام الكبير، رغم مكانته في التاريخ الإسلامي، هو أول من نظّر في كتابه “الرسالة” لفكرة “الوحيين”، التي تعتبر الحديث النبوي وحيًا ثانيًا مساويًا للقرآن الكريم من حيث التشريع، وهي الفكرة التي اعتمدت عليها الحركات الإسلاموية، كالإخوان والسلفيين، في رفع النصوص البشرية إلى مرتبة النص الإلهي.

وقد أثبت التاريخ القريب كيف استُغلت هذه النظرية لتكريس ثقافة التكفير، تقديس المرويات، وتأليه الفقهاء، وتهميش الاجتهاد العقلي. ولنا في العشرية السوداء شاهد مأساوي.. فتاوى القتل، الذبح، والتكفير باسم حديث أو رواية، جعلت من الجزائر ساحةً مفتوحة لسفك الدماء باسم “الدفاع عن الإسلام”.

لن ينسى الجزائريون قصة الشاب الذي قتل والده فقط لأنه كان يُشاهد قناة أجنبية، أو قصة المرأة التي ذُبحت في باتنة لأنها لم تكن محجبة، أو الذين فُجّرت منازلهم فقط لأنهم يعملون في أجهزة الدولة. كلها جرائم أُلبست لبوس “الشرع” و”السنة”، فهل هذا هو الإسلام الذي يدعو إليه النائب بلخير زكرياء من تحت قبة البرلمان؟ وهل الشافعي مرجعية وطنية أم اختيار أيديولوجي متعمد لربط الدين بخطاب الإسلام السياسي؟

النائب بلخير زكرياء، المنتمي إلى حركة مجتمع السلم (حمس)، والتي لا نعلم إن كانت – كما هو الحال في بعض البلدان – تمتلك تنظيمًا سريًا موازياً؟!، لم يُبدِ أي موقف أو توضيح بشأن الفضيحة التي أُثيرت خلال محاكمة راشد الغنوشي، زعيم حركة النهضة التونسية، والتي ورد فيها أن الغنوشي تحصل على معلومات سرية للغاية تتعلق بشركة سونلغاز الجزائرية، وقام بتمريرها إلى جهات إيطالية، في إطار صفقة مشبوهة بين النهضة والطليان.ورغم حساسية هذه المعطيات وارتباطها بإحدى أهم مؤسسات السيادة الوطنية في الجزائر، لم تفتح السلطات الجزائرية إلى الآن تحقيقًا رسميًا في القضية، كما لم تُتابع الصحافة الوطنية بما يكفي المحاكمات الجارية في تونس ضد رموز النهضة، والتي كان من شأنها أن تكشف طبيعة العلاقات بين الحركة التونسية وحركة حمس الجزائرية.

هذا الصمت السياسي والإعلامي، خاصة من طرف نواب حمس، وفي مقدمتهم بلخير زكرياء، يثير تساؤلات جدية حول حجم التنسيق غير المُعلن بين الحركتين، ومدى انسجام خطاب حمس مع أجندات إقليمية إخوانية سابقة لطالما شكّلت تهديدًا للاستقرار الداخلي والسيادة الوطنية.

في الوقت الذي تسحق فيه طالبان حقوق النساء في أفغانستان، وتمنعهن من الدراسة والعمل والخروج من المنزل، لم نسمع للنائب ولا لحركته أي موقف واضح أو تضامن مع المرأة المسلمة هناك. بل العكس، رئيس حركته السابق سبق أن أصدر بيانًا داعمًا لطالبان، في مشهد يعكس تناقضًا صارخًا بين شعارات “الوسطية” وواقع الانحياز للرجعيات السياسية.

المؤسسة التشريعية تمثّل الأمة بأكملها، بكل أطيافها الفكرية والدينية والمذهبية. والنائب بلخير زكرياء، في محاولته الدفاع عن زميله عبد السلام بشاغا، حوّل قاعة البرلمان إلى منبر رمزي لإعادة طرح الخطاب الإسلاموي، مستغلاً لحظة سياسية لصناعة “بطولة وهمية” لا علاقة لها بالمهام الحقيقية لنائب الأمة.

وللتذكير، فإن رئيس المجلس الشعبي الوطني إباضي، والإباضية مذهب جزائري أصيل، وُجد قبل ميلاد الإمام البخاري نفسه، وهو مدرسة تقوم على الاجتهاد، العقل، والاعتدال، لا على النقل والتشدد.

ما نحتاجه اليوم ليس استعراضًا للطربوش، ولا مداخلات رمزية، بل إصلاح ديني عميق يوقف المد الإسلاموي، ويواجه الفراغ الروحي والثقافي لدى الشباب، ويعيد بناء الخطاب الديني الوطني على أسس علمية، جزائرية، معتدلة، عقلانية.


اكتشاف المزيد من المؤشر

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

اترك تعليق

‫شاهد أيضًا‬

الجزائر لا تُنسى… ومن يتجاهلها يُخطئ في حقّ الوفاء

صرّح ممثل حركة “حماس” في الجزائر، للإذاعة الجزائرية الدولية، بشأن التصريحات ال…