‫الرئيسية‬ الأولى حين يتجاوز الحامدي الهاشمي حدوده.. تطاول تونسي إخواني على السيادة الجزائرية!
الأولى - الوطني - مقالات - 28 مايو، 2025

حين يتجاوز الحامدي الهاشمي حدوده.. تطاول تونسي إخواني على السيادة الجزائرية!

حين يتجاوز الحامدي الهاشمي حدوده.. تطاول تونسي إخواني على السيادة الجزائرية!
أثار التونسي المقيم بلندن، الحامدي الهاشمي، جدلًا واسعًا بتوجيهه رسالة إلى رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، يطالبه فيها بإقالة وزير الاتصال الجزائري الدكتور محمد مزيان. هذه الرسالة، التي نُشرت عبر قناته الخاصة “المستقلة”، المعروفة بميولها الإخوانية، لم تكن تصرفًا فرديًا معزولًا بقدر ما كشفت عن استمرار محاولات شبكات الإخوان المسلمين في التأثير على القرار السيادي الجزائري عبر أدوات إعلامية موجهة من الخارج.

هذا السلوك يعيد إلى الأذهان حادثة أكثر خطورة تعود إلى أوائل التسعينيات، حين استقبلت الجزائر، خلال فترة حكم الرئيس الشاذلي بن جديد، القيادي الإخواني التونسي راشد الغنوشي، الذي فرّ من نظام زين العابدين بن علي بعد أن صدر في حقه حكم بالإعدام. الجزائر استقبلته يومها بحفاوة ومنحته الحماية، غير أنه قابل هذا الجميل بخطاب تحريضي في لقاء جمعه بإخوان المغرب، حيث قال صراحة إن “الجهاد أصبح حلالًا في الجزائر”، بحسب ما وثّقه الصحفي الجزائري ناصر الدين سعيدوني الذي حضر اللقاء ونقل الكلمة كما هي لجريدة الشروق (أرشيف 1992). هذا الخطاب التحريضي كان بمثابة خنجر في ظهر بلد استضافه في ظرف حساس، وأدى لاحقًا إلى طرده من الجزائر نحو السودان، قبل أن يستقر في بريطانيا.

اليوم، يأتي الحامدي، بنَفَسٍ مماثل، محاولًا تكرار لعبة التزييف والتطفل، متقمصًا دور الناصح، وواهمًا أن اسم والده “الهاشمي” يُخول له الادّعاء بانتماء نسَبي إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، في محاولة مكشوفة للتقرب من نُخب خليجية تتأثر بهذا النوع من الخطابات. والحال أن هذا السلوك يندرج ضمن ظاهرة أشار إليها الباحث الفرنسي آلان غريش في Le Monde Diplomatique (عدد نوفمبر 2001)، عندما تحدث عن “الاستثمار الرمزي في النسب الديني من طرف حركات الإسلام السياسي لتلميع صورتها في الخارج”.

لكن ما الذي يعطي لتونسي مقيم في لندن الحق في أن يطالب رئيس دولة ذات سيادة بإقالة وزير جزائري؟ أليست هذه وقاحة سياسية؟ والأخطر من ذلك، أن هذه المطالبة جاءت على خلفية موقف وطني عبّر عنه وزير الاتصال تجاه تصريحات نائب من حركة “حمس” – التي تعمدت لاحقًا حذف الألف من اسمها في محاولة لطمس دلالات ارتباطها الإخواني – حين ذكّر الوزير بالمادة 3 من الدستور الجزائري، التي تنصّ بوضوح على أن الهوية الوطنية قائمة على ثلاثة أبعاد لا تُفصل: الإسلام، العربية، والأمازيغية.

الوزير، بتصريحه، لم يتجاوز القانون، بل أعاد التذكير بمرجعية الدولة كما عبر عنها شاعر الثورة مفدي زكريا، واضع النشيد الوطني “قسما”، الذي قال فيه: “نحن من أبطالنا نصنع المجد”، في إشارة إلى وحدة اللسان والسلاح والمصير.

الحامدي الهاشمي، كما كثيرون من “ممسوخي الهوية” في الداخل، يمارس نوعًا من الازدواجية الخطابية. يظهر على أنه مدافع عن الديمقراطية وحرية التعبير، لكنه يهاجم كل من يدافع عن السيادة الوطنية، ويصطف ضمنيًا مع الخطاب العابر للحدود الذي يريد إفراغ الوطنية من محتواها، واستبدالها بهوية إخوانية عابرة للقوميات، تمامًا كما بيّن ذلك الباحث رشيد بوصبيحة في دراسة حول “العابرية الإيديولوجية لدى تيارات الإسلام السياسي في شمال إفريقيا” (مجلة الفكر السياسي العربي، 2017).

بل الأخطر أن الحامدي لم يتردد في تصوير الوزير الجزائري وكأنه خصم ديني، في مسعى خبيث لإثارة العاطفة لدى جمهور لا يفقه حقيقة المشهد الجزائري. الجزائر ليست ساحة لتصفية الحسابات بين جماعات متصارعة على مشروعية خطاب أو مصلحة دعوية. الجزائر دولة بتاريخ ضارب في القدم، سكنها الإنسان الأول قبل 2.4 مليون سنة كما تؤكد أبحاث المركز الوطني للبحث في عصور ما قبل التاريخ (CNRA)، واحتضنت دولة نوميدية موحدة بعاصمة سيرتا، وعملة ونظام ملكي بقيادة ماسينيسا منذ أكثر من ألفي سنة.

من المثير للسخرية أن يُمنح شخص مثل الحامدي مساحة للتحدث باسم “المقاومة الإعلامية” بينما لم يقدّم أي مشروع إعلامي مستقل، بل اكتفى بمنصة موجهة لتمرير خطاب إخواني مكرّر، مدعوم بدعم مالي مشبوه، كما كشفت تحقيقات سابقة لوكالة Reuters (2022) حول تمويلات إعلامية مرتبطة بجماعات دينية تعمل من لندن.

ليس من الوطنية أن نصمت عن هذا النوع من التدخلات الرخيصة، كما ليس من المقبول سياسيًا ولا أخلاقيًا أن يتجرأ غريب على مخاطبة رئيسنا باسم أجندة لا تمثلنا. الدكتور محمد مزيان، وزير الاتصال، هو مسؤول في دولة ذات سيادة، عيّنه رئيس منتخب، ولا يحق لتونسي – مهما كانت علاقاته العائلية أو المصلحية – أن يطالب بإقالته.

نقولها بوضوح.. الجزائر ليست رهينة مزايدات من خارج حدودها، ولا خزانًا دعائيًا لمن انتهت صلاحيته في بلاده.


اكتشاف المزيد من المؤشر

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

اترك تعليق

‫شاهد أيضًا‬

الجزائر لا تُنسى… ومن يتجاهلها يُخطئ في حقّ الوفاء

صرّح ممثل حركة “حماس” في الجزائر، للإذاعة الجزائرية الدولية، بشأن التصريحات ال…