‫الرئيسية‬ الأولى المروك يتلقى الصفعات تِباعًا… تحالفات تنهار وخيارات تتقلص
الأولى - مقالات - 31 مايو، 2025

المروك يتلقى الصفعات تِباعًا… تحالفات تنهار وخيارات تتقلص

المروك يتلقى الصفعات تِباعًا… تحالفات تنهار وخيارات تتقلص
 بات واضحًا أن المروك يتلقى صفعة تلو الأخرى على أكثر من صعيد، دبلوماسي، عسكري، استخباراتي وحتى رمزي. الضربات لا تأتي من الجزائر أو محور المقاومة كما اعتاد المخزن أن يُحمّلهم المسؤولية في خطابه الدعائي، بل من شركائه التاريخيين، وفي مقدمتهم الولايات المتحدة، الحليف الذي كان يُراهن عليه القصر الملكي لترسيخ سياساته التوسعية، خصوصًا في ملف الصحراء الغربية.

في مطلع مايو 2025، صرّح الجنرال مايكل لانغلي، قائد القيادة العسكرية الأمريكية في إفريقيا (أفريكوم)، بأن على الدول الشريكة للولايات المتحدة أن تطور قدراتها الدفاعية بنفسها، مضيفًا: “نحن نعيد تركيز مواردنا الاستراتيجية لمواجهة التهديدات الحقيقية التي تهدد أمن واستقرار النظام الدولي، وفي مقدمتها الصين”.

هذا التصريح تزامن مع ما قاله وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن خلال اجتماعات الناتو، حيث أكد أن الولايات المتحدة “لم تعد قادرة على الدفاع عن أوروبا والمناطق الهشة بنفس القدر، وعلى الحلفاء تحمّل المزيد من الأعباء الدفاعية بأنفسهم”.

هذه المواقف ليست مجرد تصريحات عابرة، بل تُعبّر عن توجه استراتيجي أمريكي طويل الأمد، قائم على التركيز على منطقة المحيطين الهندي والهادئ، واعتبار الصين الخصم الرئيسي، وهو ما يضع المروك، الذي اعتبر نفسه لسنوات “حليفًا استراتيجيًا مميزًا” لواشنطن، في موقع أقل أهمية.

صفعة أخرى تلقاها المخزن من شخصية أمريكية ذات ثقل كبير، هي المستشار السابق للأمن القومي، جون بولتون، الذي أعاد فتح ملف الصحراء الغربية بقوة غير مسبوقة منذ اعتراف إدارة ترامب بـ”سيادة المروك” على الإقليم عام 2020. في مقال نشر في صحيفة واشنطن تايمز، يقول بولتون: “يجب أن تعود الولايات المتحدة إلى دعم تنظيم استفتاء تقرير المصير في الصحراء الغربية، فاستمرار الاحتلال يُضر بمصداقية واشنطن في دعمها لحقوق الشعوب”. وما زاد من وقع تصريحاته، تذكيره بأنه خلال زيارته للمروك قبل سنوات، لاحظ وجود خريطة في مكتب محمد السادس “تتجاهل تمامًا الحدود الدولية مع الجزائر وموريتانيا”، معتبرًا ذلك “سلوكًا توسعيًا خطيرًا”.

ورغم محاولات المروك تسويق تنظيمه لمناورات “الأسد الإفريقي 2025” كدليل على متانة تحالفه مع واشنطن، إلا أن تقارير عسكرية وإعلامية أمريكية أكدت أن المشاركة المروكية كانت ذات طابع لوجستي بالأساس، دون إسناد أي دور عملياتي مهم للقوات المسلحة الملكية، في حين تمركزت القيادة في يد الأمريكيين والفرنسيين.

أحد المصادر المقربة من البنتاغون كشف أن “الجيش المروكي شارك بصفة رمزية ولم يُعهد له أي قيادة فعلية ميدانية”، ما أثار انزعاجًا كبيرًا في القصر الملكي، الذي كان يأمل في تثبيت صورة “الحليف المتقدم غير العضو في الناتو”.

لم تفلح المساعدات الخليجية، وفي مقدمتها الإماراتية، في التخفيف من حدة الانكماش الدبلوماسي المروكي. فبعد الإعلان عن ضخ استثمارات تفوق 12 مليار دولار في قطاعات الماء والطاقة والصناعة، بدا واضحًا أن هذه الخطوة تهدف إلى إنقاذ المروك من أزمة اقتصادية خانقة أكثر منها توجّه استراتيجي.

غير أن هذا التمويل لا يُغير من حقيقة أن المروك بات يعاني من هشاشة اقتصادية حادة، وديون خارجية متزايدة، وضعف تنافسي في قطاعات الإنتاج، في مقابل استمرار تسخير ميزانيات ضخمة للتسلح والدعاية السياسية.

في المقابل، تؤكد الجزائر تموضعها كشريك أكثر موثوقية للولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، خاصة بعد توصيات مراكز بحث أمريكية كبرى مثل راند كوربوريشن، التي دعت صناع القرار في واشنطن إلى توجيه استثماراتهم الاستراتيجية نحو الجزائر بدلًا من المروك، نظرًا لاستقرارها السياسي ونفوذها الطاقوي.

الجزائر لم تكتف بالمواقف الرسمية، بل شرعت في دعم الذاكرة الشعبية لشعوب الجوار، حيث أعادت إلى الواجهة ملف قمع ثورة الريف في المروك، خاصة استخدام السلاح الكيماوي من طرف الجيش الإسباني مطلع القرن العشرين، وهو ملف ظل طي التعتيم الرسمي المروكي.

راهن المروك كثيرًا على تطبيعه مع الكيان الصهيوني كوسيلة لكسب دعم أمريكي أوسع في ملفات الدفاع والدبلوماسية. لكن هذا الرهان بدأ ينهار، مع الانهيار الأخلاقي والسياسي لكيان الاحتلال أمام الجرائم المرتكبة في غزة، والتي دفعت إلى عزله دوليًا، حتى من قِبل حلفاء تقليديين.

كما أن التعاون الاستخباراتي بين الرباط وتل أبيب لم يُثمر إلا عن تشويش علاقات المروك مع عدد من الدول الإفريقية والعربية، دون مكاسب أمنية حقيقية على الأرض.

في ظل تصاعد العدوانية المروكية تجاه الجزائر، يدعو البعض إلى فتح ملف اتفاقية لالة مغنية 1845 التي رسّمت الحدود بين الجزائر الاستعمارية والمروك. فالاتفاقية تمت برعاية فرنسية، وفي سياق استعماري خالص، وهي الآن محل تشكيك لدى عدة فاعلين سياسيين ومؤرخين جزائريين يرون فيها ظلمًا تاريخيًا لقَبائل جزائرية تم اقتطاع أراضيها لصالح سلطات المخزن.

لم تعد سياسة المروك الخارجية تحقق أهدافها، رغم التحالفات المؤقتة والدعم المالي الخليجي. ويبدو أن صناع القرار في الرباط مطالبون اليوم، أكثر من أي وقت مضى، بمراجعة شاملة لاستراتيجياتهم، وإعادة النظر في خطابهم السياسي الإقليمي، قبل أن يجدوا أنفسهم معزولين تمامًا، حتى من حلفائهم السابقين.

فالرهانات الخاسرة لا تُبنى عليها استراتيجيات دول. ومن لا يقرأ المتغيرات الدولية جيدًا، يظل يلهث خلف السراب، ويكتفي بمناوشات إعلامية لن تصمد أمام التحولات الجيوسياسية الكبرى القادمة.


اكتشاف المزيد من المؤشر

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

اترك تعليق

‫شاهد أيضًا‬

حرب المعادن النادرة… رصاصة الصين في قلب واشنطن

لم تمر زيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى شرم الشيخ، والنجاح الذي حققه بجمع نحو عشرين …