“المرتزق الإعلامي” سيفاوي.. من صندوق ماريان إلى صندوق الأكاذيب
|> افتراءات سيفاوي.. أداة قذرة في يد باريس |> اتهامات بلا وثائق في زمن الابتزاز السياسي
لم يكن مفاجئًا أن يعود محمد سيفاوي إلى الساحة الإعلامية الفرنسية بمزيد من الادعاءات الموجهة ضد الدولة الجزائرية، وهذه المرة بتصويب سهامه نحو عائلة رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، مدّعيًا أن اثنين من أبنائه – محمد وخالد – يمتلكان “أموالًا مشبوهة” في فرنسا، وأنهما ضمن قائمة من “الديناصورات” الجزائريين الذين تدرس باريس تجميد أموالهم. ولكن، ما الذي يجعل من سيفاوي مصدرًا موثوقًا فجأة في قضايا سيادية، وهو نفسه من قضى مسيرته متنقّلًا بين التزلف للمخابرات الفرنسية وتشويه صورة الجاليات المسلمة في أوروبا؟
محمد سيفاوي هو صحفي جزائري-فرنسي، عرف في فرنسا بتبنيه خطابًا عدائيًا تجاه الإسلام السياسي، لكنه ما لبث أن تحوّل إلى بوق دعائي يروّج لوجهات نظر تميل إلى أقصى تطرف العلمانية الفرنسية، متّهمًا الجالية المسلمة، وخاصة الجزائرية، بالازدواجية والانفصالية. دخل سيفاوي مجال الصحافة من بوابة التقارير التلفزيونية المثيرة للجدل، لكنه فشل في الحفاظ على مصداقية مهنية، نتيجة تورّطه في سيناريوهات تمثيلية – أشهرها “خديعة تسلل الإرهابيين إلى فرنسا”، والتي تبيّن لاحقًا أنها مفبركة بالكامل.
واليوم، يعيد سيفاوي إنتاج نفس النمط، لكن هذه المرة في قالب سياسي – استخباراتي، يروّج من خلاله لروايات مفبركة، مستخدمًا علاقاته داخل الأوساط الإعلامية الفرنسية لتلميعها وكأنها “معلومات مؤكدة”، بينما هي في الحقيقة اجتهادات من صحفي مُسخّر لتصفية الحسابات السياسية بين باريس والجزائر.
يريد سيفاوي إيهام الرأي العام بأن أبناء الرئيس تبون يملكون ثروات في فرنسا، مستندًا إلى “مذكرة” لم يفصح عن مصدرها، ولا عن طبيعتها القانونية أو الرسمية. ورغم أنه لم يقدّم أي وثيقة أو رقم أو عنوان، اكتفى بما وصفه بـ”تأكيد من السلطات الفرنسية”. وما يزيد من ريبة هذه الادعاءات هو تزامنها مع تصريحات سياسية فرنسية تصعيدية تجاه الجزائر، مما يضع سيفاوي، مجددًا، في خانة المُنفّذين لأجندات إعلامية مشبوهة.
الأغرب من ذلك، أن سيفاوي يعيد فتح ملف خالد تبون، الذي سبق أن خضع للعدالة الجزائرية، وأُفرج عنه في إطار مسار قانوني واضح، ولفهم الدوافع الخفية خلف هذه الحملة الإعلامية الموجهة ضد أبناء الرئيس الجزائري، لا بد من العودة إلى سيرة محمد سيفاوي المثقلة بالاتهامات وفضائح التمويل المشبوه. فقد تورط هذا الصحفي، الذي يقدّم نفسه كمحقق ومؤلف، في واحدة من أكبر قضايا الفساد الإعلامي في فرنسا سنة 2023، المعروفة بـ”فضيحة صندوق ماريان”. إذ حصلت الجمعية التي يديرها على تمويل عمومي من الحكومة الفرنسية بقيمة 355 ألف يورو، يفترض أن يُخصص لمكافحة التطرف بعد اغتيال الأستاذ صامويل باتي، لكن التحقيقات كشفت أن سيفاوي صرف أغلب هذه الأموال على رواتب له ولمقربين منه، مقابل محتوى ضعيف لم يُحدث أي أثر يُذكر.
وقد خلّفت فضيحة “صندوق ماريان”، التي تورط فيها محمد سيفاوي سنة 2023، عاصفةً من الانتقادات في الإعلام الفرنسي، بعدما تبين أن الجمعية التي يشرف عليها حصلت على تمويل عمومي ضخم بلغ 355 ألف يورو، كان من المفترض أن يُخصص لمكافحة التطرف ومساندة القيم الجمهورية الفرنسية عقب اغتيال الأستاذ صامويل باتي. غير أن ما كشفته التحقيقات أظهر أن سيفاوي أنفق الجزء الأكبر من هذه الأموال على رواتب له ولمقربين منه، دون أن يقدم أي نتائج ملموسة أو برامج ذات تأثير فعلي. وقد وصفت لجنة برلمانية فرنسية هذا السلوك بـ”الانحراف الخطير في استعمال المال العام”، مؤكدة أن المشروع الذي نُسب إليه لم يكن سوى واجهة إعلامية خاوية لمحتوى حقيقي.
لكن الأخطر من الجوانب المالية، هو ما أعادته هذه القضية من ماضٍ مشين في سجل محمد سيفاوي، الذي سبق أن وُجهت له انتقادات حادّة بسبب خطابه التحريضي ضد الجالية المسلمة، وخاصة الجزائرية، في فرنسا. فالرجل، الذي ادعى لنفسه دور “الصحفي المحقق”، كان في الحقيقة يروّج لصورة نمطية عن المسلمين والمهاجرين، مستخدمًا لغة متطرفة تتقاطع مع خطاب أقصى اليمين. وقد أدى هذا النهج العدائي إلى تآكل مصداقيته داخل المؤسسات الصحفية الفرنسية التي كانت قد منحته منابرها في السابق، ما جعله تدريجيًا خارج دائرة الثقة، سواء لدى الرأي العام أو في أوساط الإعلام المهني.
كل هذه الخلفيات تجعل من تصريحات سيفاوي الأخيرة ضد أبناء الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، ادعاءات مشبوهة في الشكل والمضمون، ولا يمكن فصلها عن ماضيه المثقل بالفضائح المالية والانحيازات الأيديولوجية. بل إن إعادة فتح ملفات قديمة، كمزاعم امتلاك خالد ومحمد تبون أموالًا في فرنسا، في هذا التوقيت بالذات، لا يُمكن إلا أن يُفهم في إطار أوسع لحملة سياسية وإعلامية فرنسية تستهدف الرموز السيادية الجزائرية، مستغلةً كل ما يمكن أن يُستخدم كوسيلة ضغط.
وإذا كانت هذه المزاعم تفتقر لأي وثيقة أو دليل قانوني، فإن السياق السياسي هو وحده القادر على تفسير التوقيت والنية. فالعلاقات الجزائرية الفرنسية تمرّ منذ فترة بحالة من التوتر غير المسبوق، تتغذى على ملفات متشابكة تتعلق بالهجرة، وتقلص عدد التأشيرات الممنوحة، وتباين المواقف حول أزمات الساحل والصحراء الغربية. وفي ظل هذا التصعيد الدبلوماسي، تبحث بعض الدوائر الفرنسية عن أدوات جديدة للضغط، ولا تجد أكثر نجاعة من تكرار أسطوانة “الفساد في الجزائر” لتوجيه الأنظار.
لكن أن يتم اللجوء إلى صحفي فقد مصداقيته، ومتهم بالاستفادة من المال العام دون وجه حق، ليكون رأس الحربة في هذه الحملة، فذلك يعكس هشاشة المنطق الفرنسي في إدارة التوتر مع الجزائر، ويحوّل قضية السيادة والكرامة الوطنية إلى لعبة إعلامية رخيصة، تنكشف أوراقها بسرعة كلما اقتربت من الميدان القضائي أو الوقائع الموثقة.
لذلك، فإن وضع مزاعم سيفاوي في إطارها الصحيح لا يحتاج إلى الكثير من الجهد؛ بل يكفي النظر إلى تاريخه المهني المُثقل بالمحاباة السياسية والتكسب الإعلامي، وإلى توقيت خروجه بهذه “المعلومات الحصرية” التي لا يُقدم عنها لا أدلة ولا قرائن، لنفهم أن المستهدف الحقيقي ليس أبناء تبون، بل الجزائر التي ترفض الخضوع لمنطق الابتزاز الدبلوماسي الفرنسي.
في هذا الإطار، تواصل بعض الدوائر في باريس استخدام أبواق مثل سيفاوي لتوجيه الضربات الرمزية للقيادة الجزائرية، كما سبق أن فعلت مع الرئيس الراحل هواري بومدين والرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة. الفارق الوحيد اليوم أن حملة التشويه تلبس عباءة “محاربة الأموال المشبوهة”، رغم أن فرنسا لا تحرك ساكنًا إزاء الأموال التي تملكها شخصيات من جزائرية مقيمة على أراضيها، رغم صدور مذكرات توقيف بحق الكثير منهم.
وإذا كانت فرنسا تملك أدلة حقيقية، فلتبادر بفتح الملفات، كما قالت الجزائر رسميًا: “شيش! افعلوها إن استطعتم”. لكن باريس تلتزم الصمت، لأنها تدرك أن مثل هذه الخطوة ستضعها أمام أسئلة محرجة، من سهّل تحويل الأموال؟ ومن غضّ الطرف عن صفقاتها؟ ومن استفاد من شبكة العلاقات التي سمحت بشراء العقارات والاستثمارات المشبوهة؟
الرئيس عبد المجيد تبون جاء إلى السلطة رافعًا شعار “استعادة الأموال المنهوبة”، وكانت أولى مبادراته هي مأسسة عملية استرجاع الثروات المسروقة. فإذا وُجد تورط من أحد أفراد عائلته، فالدولة أولى بمحاسبته. أما أن تتحوّل إشاعات صحفية، منقولة عن “مصادر مجهولة”، إلى ورقة ضغط دبلوماسي، فتلك سابقة تسيء إلى أخلاقيات الإعلام والمهنية السياسية على حد سواء. لم يعد محمد سيفاوي ناقلًا للخبر، بل صار هو ذاته مادة تستخدمها أجهزة فرنسية كلما احتاجت إلى افتعال أزمة مصطنعة.
اكتشاف المزيد من المؤشر
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
اليمين المتطرف يهاجم الطلبة الجزائريين في فرنسا!
تعيش فرنسا منذ أسابيع على وقع جدل جديد أثارته بعض الأوساط اليمينية المتطرفة التي وجّهت سها…