‫الرئيسية‬ الأولى وثائقي على France 5 يكشف استخدام فرنسا لأسلحة كيميائية خلال حرب الجزائر
الأولى - الوطني - 8 يونيو، 2025

وثائقي على France 5 يكشف استخدام فرنسا لأسلحة كيميائية خلال حرب الجزائر

وثائقي على France 5 يكشف استخدام فرنسا لأسلحة كيميائية خلال حرب الجزائر
كشفت قناة “فرانس 5″، مساء 8 جوان 2025، النقاب عن أحد أكثر الملفات حساسية في تاريخ الاستعمار الفرنسي؛ من خلال عرض وثائقي بعنوان “الجزائر، وحدات الأسلحة الخاصة” للمخرجة كلير بييه. العمل، الذي أُجّل عرضه سابقًا، يُسلّط الضوء على استخدام الجيش الفرنسي لأسلحة كيميائية خلال الثورة الجزائرية بين عامي 1956 و1962، في محاولة ممنهجة لتصفية جيش التحرير الوطني داخل الكهوف والملاجئ، بأسلوب صامت لكنه مميت.

الوثائقي يستند إلى أبحاث المؤرخ الفرنسي كريستوف لافاي، الذي تمكن، من خلال استغلال الأرشيف العسكري الفرنسي، من توثيق سلسلة عمليات عسكرية تم فيها اللجوء إلى غازات سامة؛ بعضها مشتق من مركبات الزرنيخ، وأخرى تُستخدم عادة في “عمليات حفظ النظام”؛ لكن بجرعات قاتلة جعلت من هذه الكهوف مقابر صامتة للمئات، وربما الآلاف من المجاهدين والمدنيين.

منذ ديسمبر 1956، أنشأت فرنسا وحدة عسكرية تحت اسم “البطارية للأسلحة الخاصة” (BAS) داخل الفوج 411 للمدفعية المضادة للطائرات. مهامها: تكوين فرق متخصصة تُعرف بـ”فرق المغارات”، تُدرّب على استخدام الغازات، وتُجهّز بقنابل كيميائية وأقنعة واقية. الهدف المعلن هو تحييد المقاتلين المتحصنين في الكهوف والملاجئ دون خوض معارك مباشرة. أما الهدف الحقيقي، فقد كان واضحًا: الخنق، والقتل الجماعي، والتدمير الصامت.

وبحسب أرشيف وزارة الجيوش الفرنسية، فإن عدد هذه الفرق بلغ 119 فريقًا حتى منتصف عام 1959، قبل أن تتحول إلى “وحدات الأسلحة الخاصة للمنطقة”، ضمن خطة شاملة عُرفت بخطة شال (Plan Challe). أحد أخطر الوثائق الرسمية تعود إلى 21 ماي 1956، وهي رسالة موقعة من وزير الدفاع الفرنسي آنذاك، موريس بورجيس مونوري، يوافق فيها على استعمال “مواد كيميائية” في العمليات، بشرط أن تكون “بتركيزات لا تُسبب أضرارًا جسيمة؛ ما لم يُصرّ الأفراد على البقاء داخل الكهوف لفترات طويلة”. لكن الواقع أثبت غير ذلك؛ إذ خلّفت هذه العمليات ضحايا مدنيين وعسكريين، وأبقت وراءها مغارات لا تزال حتى اليوم شديدة الخطورة بفعل تسرّب الغازات السامة.

تشير الشهادات التي جمعها لافاي إلى أن المواد المستخدمة تشمل مزيجًا من غاز CN (الكلوروأستوفينون)، وDM (غاز الآدامسيت المشتق من الزرنيخ)، ومادة السيليكا الدقيقة (Kieselguhr)، التي تُمكن الجزيئات السامة من التغلغل داخل الرئتين. هذا المزيج، المعروف باسم CN2D، يتحول في الفضاء المغلق إلى قاتل صامت؛ يتسبب في الاختناق أو وذمات رئوية قاتلة.

في عام 1961 وحده، عالجت هذه الفرق أكثر من 903 مغارة، وأسفرت عملياتها عن “تحييد” 317 جزائريًا؛ وفق ما ورد في وثيقة عسكرية واحدة. ويُقدّر المؤرخون عدد ضحايا هذه الحرب الكيميائية بين 5,000 و10,000 شخص، معظمهم من المقاومين، ولكن أيضًا من المدنيين الذين احتموا بهذه الكهوف هربًا من عمليات التمشيط والتطويق.

ما يدعم الرواية التاريخية ليس فقط الوثائق، بل أيضًا شهادات من جنود فرنسيين شاركوا في هذه العمليات. الجنرال جورج بوي، في كتابه “الكهف” (1961)، كان أول من تحدّث عن “المعالجة الكيميائية” كإستراتيجية عسكرية. في عام 1981، وصف المجاهد السابق سعيد فردي في مذكراته “طفل في زمن الحرب”، حادثة خنق 90 شخصًا داخل صومعة للحبوب. وتوالت بعد ذلك شهادات من جنود آخرين، مثل روجي كلير، إيف لوغال، وجان فيدالينك، الذين أكدوا جميعًا أن ما حدث لم يكن “تهويلاً روائيًا”، بل ممارسات ممنهجة أُديرت بعناية من القيادة العسكرية الفرنسية.

الأمر اللافت أن الجيش الفرنسي لم يُخفِ تمامًا هذه الوحدات. ففي عدد من مجلة Le Bled العسكرية بتاريخ 23 فيفري 1961، نُشرت صورة لجنود ملثمين بأقنعة واقية، يُشار إليهم بفخر كـ”رجال الكهوف”. وورد في التقرير أن وحداتهم “زارت أكثر من 200 كهف، واستعملت غاز الآرسين لجعل الهواء غير قابل للتنفس، وأسفرت عملياتهم عن القضاء على 40 متمردًا”.

ورغم كل هذه الأدلة، ما زالت السلطات الفرنسية تلتزم الصمت؛ لا اعتراف رسمي، ولا فتح شامل للأرشيف، ولا حديث سياسي مباشر عن هذه الجرائم. في المقابل، تتعالى أصوات المؤرخين والمثقفين، أمثال ستيفان أودوان-روزو، الذي صرّح عام 2023:”نحن نفضّل النظر إلى الحرب من الجانب، لا إلى وجهها. وربما نخطئ في فهم الحرب لأننا لم نفهم أنفسنا أولًا.”

إن عرض هذا الوثائقي في توقيت حساس، يعيد إلى الواجهة قضية كانت دائمًا على هامش النقاش العام في فرنسا: هل تتجرأ الجمهورية الخامسة على الاعتراف الكامل بتاريخها الدموي في الجزائر؟ وهل تفتح ملفات الحرب الكيميائية، كما فُتحت ملفات التعذيب والإعدامات الجماعية؟ الجزائر، بذاكرتها الجماعية الحية، لن تنسى. والمجتمع الدولي، اليوم، أمام مسؤولية أخلاقية في مساءلة دولة ديمقراطية تستّرت طويلًا على جرائم إبادة بحق شعبٍ أعزل كان يُطالب بالحرية فقط.


اكتشاف المزيد من المؤشر

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

اترك تعليق

‫شاهد أيضًا‬

لقاء موسّع بين وزير الاتصال والنقابات…

يواصل وزير الاتصال زهير بوعمامة خطواته الميدانية لإعادة بعث ديناميكية جديدة في قطاع الإعلا…