‫الرئيسية‬ في الواجهة اقتصاد هل تخلّت الجزائر عن مشروع ميناء الحمدانية؟

هل تخلّت الجزائر عن مشروع ميناء الحمدانية؟

هل تخلّت الجزائر عن مشروع ميناء الحمدانية؟
عاد الجدل مجددًا في وسائل الإعلام الفرنسية حول مشروع ميناء الحمدانية الاستراتيجي، حيث زعمت بعض التقارير أن الجزائر قد أوقفت المشروع نهائيًا بسبب “عدم قدرته على منافسة موانئ المروك”، وعلى رأسها ميناء طنجة المتوسط. هذه الادعاءات، التي لم يصدر بشأنها أي بيان رسمي جزائري حتى الساعة، تُثير أكثر من تساؤل حول خلفياتها وتوقيتها.

المشروع، الذي يُعدّ من أكبر الاستثمارات اللوجستية في إفريقيا، لا يشكّل تهديدًا للمروك فحسب، بل يُربك التوازنات الاقتصادية في منطقة المتوسط، وخاصة المصالح الفرنسية، وفي مقدمتها ميناء مارسيليا، الذي لطالما استفاد من قصور البنية التحتية الجزائرية.

حقيقة معروفة لدى أهل الاختصاص: لا توجد موانئ جزائرية حالية تملك عمقًا كافيًا لاستقبال البواخر العملاقة، وهو ما يدفع الجزائر إلى إعادة شحن حاوياتها في ميناء مارسيليا، عبر بواخر متوسطة تُفرغ لاحقًا في موانئ الجزائر. هذه الدورة تُكلّف الدولة سنويًا قرابة مليار يورو لفائدة الميناء الفرنسي، ما يجعل من ميناء الحمدانية ضرورة استراتيجية أكثر منها مجرد خيار استثماري.

اللافت في الأمر أن حملة التشكيك هذه تزامنت مع زيارة المدير العام لشركة النقل البحري الفرنسية CMA CGM إلى الجزائر، حيث انطلقت فورًا حملة إعلامية فرنسية مشكّكة في جدوى المشروع، بل مروّجة لفكرة فشل الجزائر أمام “النموذج المروكي الفرنسي”.

ما يزعج باريس في الحقيقة، ليس المشروع في حدّ ذاته، بل التحالف الجزائري الصيني الذي يقف وراءه. فبكين، بما تملكه من خبرة في تطوير الموانئ الكبرى (كما فعلت في باكستان وشرق إفريقيا)، تمثّل خطرًا مباشرًا على الهيمنة الفرنسية، ليس فقط على الجزائر، بل على كامل الساحل الجنوبي للمتوسط.

مشروع ميناء الحمدانية لا يندرج ضمن رؤية اقتصادية محلية فقط، بل يُمثّل جزءًا من رؤية جزائرية للامتداد نحو العمق الإفريقي. الميناء، المرتبط بشبكة طرقات وسكك حديدية طموحة، يُمكنه أن يُحوّل الجزائر إلى بوابة قارية لتوريد واستيراد السلع من وإلى إفريقيا، متجاوزًا البوابة المروكية والفرنسية التقليدية.

من هذا المنظور، فإن الحملة ليست بريئة، بل تُحاول أن تربط “فشل المشروع” المزعوم بالأزمة الدبلوماسية مع مالي والنيجر، لتُوهم بأن الجزائر تعاني عزلة إقليمية تُضعف جدوى استثماراتها اللوجستية.

المشاريع السيادية لا تُلغى بقرار إعلامي، ولا تتأثر بأزمات ظرفية. وإذا كانت الجزائر قد اختارت عدم الردّ حتى الآن، فهذا لا يعني صحة الادعاءات الفرنسية ـ المروكية، بل قد يُعبّر عن حرصها على عدم الانخراط في سجالات إعلامية مفتعلة. لكن المؤكّد أن ميناء الحمدانية ما يزال حيًّا في الرؤية الاستراتيجية الجزائرية، وأن أي محاولة لتقزيمه إعلاميًا تُخفي خلفها مصالح اقتصادية كبرى تتضرر من ولادته.

فرنسا، التي اعتادت أن تكون ممر الجزائر البحري القسري، تُدرك أن يوم تدشين ميناء الحمدانية سيكون يوم خسارتها الكبرى، ليس فقط ماليًا، بل من حيث موقعها التقليدي كمركز عبور لسلع الجزائر نحو العالم.

سواء جاء تأجيل المشروع لأسباب فنية أو تفاوضية أو لوجستية، فإن محاولة تصوير ذلك على أنه هزيمة أمام الموانئ المروكية أو انسحاب جزائري من المنافسة، ليست سوى قراءة انتقائية تخدم الأجندة الفرنسية والمروكية المشتركة.

وحتى تُصدر السلطات الجزائرية توضيحًا رسميًا، يبقى هذا “الخبر” أشبه بانتصار وهمي في معركة لم تُحسم بعد، هدفه الوحيد: كسر الإرادة الجزائرية في بناء سيادتها الاقتصادية وقطع التبعية البحرية لفرنسا. وسنعود لهذا الملف لاحقًا بمزيد من الوثائق والتحليل.


اكتشاف المزيد من المؤشر

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

اترك تعليق

‫شاهد أيضًا‬

الجزائر لا تُنسى… ومن يتجاهلها يُخطئ في حقّ الوفاء

صرّح ممثل حركة “حماس” في الجزائر، للإذاعة الجزائرية الدولية، بشأن التصريحات ال…