مملكة الكذب وحكاية “إلغاء” ميناء الحمدانيّة
تضع «مملكة الكذب» نفسها مجدّدًا في موضع السخرية العالميّة؛ إذ روّجت شائعةً سخيفة مفادها أنّ الصين تراجعت عن شراكة مع الجزائر لإنجاز ميناء الحمدانيّة، بذريعة موقف بكين الثابت من قضيّة الصحراء الغربيّة. وكعادتها، ضخّت أبواق المخزن في الرأي العام حملةً دعائيّة منظّمة تمزج بين التضليل والابتزاز، ساعيةً إلى جرّ الجزائر إلى مستنقع الفوضى الإعلاميّة الذي اعتادت صناعته.
أوّل ما يفنّد هذه المزاعم هو غياب أيّ اتفاق رسميّ ملزم بين الجزائر والصين بخصوص الميناء؛ فالمشروع ظلّ، منذ 2010، في طور المشاورات الفنيّة والمفاوضات الاستثماريّة، ولم يُتوَّج بعقد تنفيذيّ. وعليه، فإنّ الحديث عن «إلغاء» اتّفاقيّة لم تُوقَّع أصلًا ليس سوى تدليس فاضح ومحاولة مفضوحة لافتعال إنجازٍ دبلوماسي وهميّ على حساب الجزائر.
بدل الانجرار خلف الشائعات، أطلقت الجزائر سنة 2024 برنامجًا وطنيًّا سياديًّا لتحديث موانئها، برأسمال يقارب 10 مليارات دولار؛ ويشمل الميناء الجديد في الحمدانيّة إلى جانب الجزائر العاصمة، عنّابة، وجنجن. وقد شُرع فعلًا في تهيئة ميناء جنجن، مستفيدًا من عمقه الطبيعي، مع إنجاز طريق سريع يربطه بولاية سطيف لتفكيك عزلته اللوجستيّة.
العلاقات الجزائرية–الصينيّة مبنيّة على شراكة استراتيجيّة طويلة الأمد، لا على تغريدات ظرفيّة. والاعتقاد بأنّ موقف بكين المؤيّد لتقرير المصير في الصحراء الغربيّة قد يدفعها إلى الانسحاب من تعاونٍ اقتصاديّ مع الجزائر قراءة سطحيّة تناقض تصريحات مسؤولي البلدين في كل لقاء رسميّ.
في الوقت الذي يروّج فيه إعلام الرباط لأسطورة «عزلة الجزائر»، تؤكّد هيئات دولية، وعلى رأسها مجلس الأمن، ضرورة تنظيم استفتاء لتقرير المصير في الصحراء الغربيّة. كما صرّح المبعوث الأميركي السابق ديفيد شينكر بأنّ «المشروع المغربي» لن يتقدّم دون هذا الاستفتاء؛ فيما لم تُكرّس إدارة بايدن قانونيًا ما سُمّي «اعتراف ترامب». النتيجة : المشروع المروكي ما يزال محاصرًا سياسيًا وأخلاقيًا.
السيناريو الرخيص عن «إلغاء المشروع» تفجّر بعد استقبال الرئيس تبون للمدير العام لمجموعة CMA CGM الفرنسيّة؛ استثمارٌ أرعب الرباط وأثار غيرةً اقتصاديّة جعلت أبواقها تتوهّم «استبعاد» الصين لصالح فرنسا. هكذا تحوّلت زيارة عادية إلى مادّة مؤامراتيّة تُسوَّق عبر منابر المخزن.
المخزن يلتزم الصمت أمام تعثّر ميناء الناظور الغربي المُعلن عام 2012، والذي سجّل – بحسب البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية – تأخّرًا زمنيًّا وتضخمًا متوقّعًا في التكلفة، فيما نقلت وكالة «رويترز» (فبراير 2025) بحث السلطات المغربيّة عن مشغّلين جدد لسدّ فجوات التمويل. الصمت نفسه يطال شبهات الفساد التي تحيط بمنظومة الموانئ، من رشاوى كشفها تحقيق بوليتيكو الأوروبي داخل البرلمان الأوروبي، إلى تراجع المغرب 21 مرتبة في مؤشر الشفافية الدولية، على خلفيّة «رشاوى جمركيّة» و«عمولات» في ميناء طنجة المتوسّط.
رغم هذه المؤشرات السلبيّة، يواصل إعلام المخزن تصوير كل زيارة استثمارية في الجزائر كفيلم إثارة؛ آخرها استقبال الرئيس تبون لمدير CMA CGM، مع مزاعم «إفلاس» المشاريع الجزائريّة. والحقيقة أنّ الجزائر تموّل – بسيادة كاملة – تحديث أربعة موانئ استراتيجية دون ارتهان لقروضٍ مثقَلة بالشروط.
تكشف الأدلّة الميدانية والأرقام الدوليّة هشاشة بروباغندا المخزن، وتُظهر أنّ عقدته التاريخية تجاه الجزائر تُدار بمنطق التلاعب بالمعلومة، صمتٌ عن الفضائح الذاتية وصراخٌ مفتعل كلما تعلق الأمر بدولةٍ تنجز مشاريعها بعيدًا عن الوصاية. وسينجز ميناء الحمدانية، بشراكة أو بتمويل وطني، على أرض الجزائر وتحت سيادتها؛ فيما ستبقى الحملات السمجة مجرد ضجيج إعلاميّ لا يغيّر وقائع الميدان.
اكتشاف المزيد من المؤشر
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
الجزائر لا تُنسى… ومن يتجاهلها يُخطئ في حقّ الوفاء
صرّح ممثل حركة “حماس” في الجزائر، للإذاعة الجزائرية الدولية، بشأن التصريحات ال…