‫الرئيسية‬ الأولى حين يُصبح الجهل سلاحًا… خطاب ديني يبرّئ الإخوان ويهاجم الباحثين!
الأولى - مقالات - 11 يونيو، 2025

حين يُصبح الجهل سلاحًا… خطاب ديني يبرّئ الإخوان ويهاجم الباحثين!

حين يُصبح الجهل سلاحًا… خطاب ديني يبرّئ الإخوان ويهاجم الباحثين
 شنّ إمام جزائري، في إحدى خطبه المسجلة، هجومًا على الداعية الفلسطيني المقيم في النمسا، الدكتور عدنان إبراهيم، بسبب انتقاده لرمز جماعة الإخوان المسلمين، حسن البنا الساعاتي. واعتبر الإمام أن هذا النقد يُعدّ طعنًا في أحد “أئمة المسلمين”، بل ووصل به الأمر إلى وصفه بـ”الإمام المؤمن الكبير”، متغاضيًا عن تاريخ مشبوه ومتهم بالعمالة والتأسيس لأكبر تنظيم سياسي ديني عنيف عرفه القرن العشرون.

المؤسف في الأمر ليس فقط الجهل الظاهر الذي طبع خطاب هذا الإمام، بل أيضًا استسهاله تخوين كل من يفتح النقاش حول الإخوان وتاريخهم الدموي، وكأنّنا أمام مقدّسات لا تُمس. هذا الخطاب، المليء بالتقديس الأعمى، يعبّر عن خلل عميق في الوعي الديني والثقافي لدى بعض رجال الدين في الجزائر، الذين يكتفون بإعادة إنتاج روايات جماعة الإخوان المسلمين التي تعود إلى أربعينات القرن الماضي، دون مراجعة أو تدقيق.

الدكتور عدنان إبراهيم، الذي يُجيد أكثر من لغة، ويحمل تكوينًا علميًا وفكريًا رفيعًا، له الحق الكامل في مساءلة رموز الحركات الإسلامية، ومنها حسن البنا، خاصة أن ذلك لا ينبع من خلفية سياسية ظرفية، بل من دراسة عميقة واستقراء فكري موثق. فالرجل قارئ محترف، ومطّلع واسع على التاريخ الإسلامي، وليس ممن يطلقون الأحكام جزافًا أو يتحدثون من منابر أيديولوجية ضيقة.

الأخطر في خطاب الإمام ليس انتقاده لعدنان إبراهيم، بل تساهله مع إرث جماعة كانت مسؤولة عن زرع الفتنة في العالم العربي والإسلامي. ويكفي التذكير بالدور الذي لعبته الجماعة في إذكاء العنف في الجزائر خلال التسعينيات، حين تحولت منابر المساجد إلى منصات للتكفير والدم.

من يودّ أن يعرف حقيقة هذه الجماعة، عليه أن يقرأ مباشرة من مصادرها وشهادات من كانوا في مطبخها، مثل ما كتبه ثروت الخرباوي في كتابه “سر المعبد”, الذي كشف فيه علاقة التنظيم بالأجهزة السرية وأساليبه المستوحاة من الماسونية، أو شهادة نبيل نعيم، مؤسس حركة الجهاد الإسلامي في مصر، الذي قال صراحةً إنّ حفيد حسن البنا في لندن أخبر وفد الإخوان أنهم لن يستعيدوا أموال الجماعة، لأن جده —كما صرّح— كان يهوديًا مغربيًا وليس مسلمًا، وهو ما رفضوه لكنه لم ينكره.

الصحافة المصرية، قبل غيرها، فتحت هذا الملف مرارًا، وذكرت أن اسم حسن البنا الحقيقي هو حسن الساعاتي، وأن أصوله غير واضحة. فهل اطّلع الإمام الجزائري على هذه المعلومات؟ أم أنه يفضّل أن يظلّ أسير سرديات قديمة تُروى له من محيط متأخون، لا يرى في نقد البنا سوى “خيانة عقدية”؟

وما لا يعرفه كثيرون، أن شركة قناة السويس البريطانية قدمت دعمًا ماليًا لحسن البنا، وهي سابقة تثير التساؤلات حول طبيعة العلاقة بين الجماعة والاستعمار البريطاني، الذي لم يكن ليدعم أحدًا لا يخدم مصالحه.

أما ما يؤلم حقًا، فهو الجهل المنتشر في بعض الأوساط الدينية عندنا، ممن يعتبرون الدفاع عن الإخوان نوعًا من “الولاء للدين”، بينما تُجمع شهادات تاريخية من الداخل والخارج على أن الجماعة أداة سياسية استعمارية بامتياز. هذا ما اكتشفته الإمارات لاحقًا، عندما أطاحت بتواجدهم داخل مؤسساتها بعد محاولتهم التآمر على الحكم. وهذا أيضًا ما أدركه رجب طيب أردوغان في تركيا، بعد أن تحوّلوا من حلفاء إلى مهدديْن لأمنه القومي، ما دفعه لطردهم من البلاد.

حركة الإخوان، التي لا تؤمن بالوطن وتعتبره “حفنة تراب عفنة”، حسب وصف أحد مرشديها، لم تتوقف يومًا عن محاولات اختراق الأنظمة وتقويض الاستقرار. آخر رسائل مرشدها المقيم في لندن كانت موجهة إلى الرئيس الأمريكي جو بايدن، تعرض “التعاون الكامل” مقابل إسقاط النظام في مصر.

قبل أن يهاجم هذا الإمام الدكتور عدنان إبراهيم، كان عليه أولًا أن يقرأ، أن يتثقف، وأن يتجرّد من انتماءاته الإيديولوجية. لأن الدفاع عن تنظيم يروّج للكراهية والدم، ويُكفّر الشعوب، لا يليق بمن يدّعي تمثيل الدين.

نداءنا لهذا الإمام ومن على شاكلته: اتقوا الله في شباب الجزائر، وفي أمنها الوطني، ولا تجعلوا من منابر المساجد أداة تبييض لتنظيم دموي لم يُنتج إلا الخراب.


اكتشاف المزيد من المؤشر

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

اترك تعليق

‫شاهد أيضًا‬

حرب المعادن النادرة… رصاصة الصين في قلب واشنطن

لم تمر زيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى شرم الشيخ، والنجاح الذي حققه بجمع نحو عشرين …