الحصيلة الأسبوعية للجيش الوطني الشعبي: إرهابي يُسلّم نفسه… والمخدرات بالملايين!
لم تعد الحصيلة الأسبوعية للجيش الوطني الشعبي مجرد بيان روتيني تُعلنه وزارة الدفاع الوطني في نهاية كل أسبوع، بل باتت مرآة حقيقية تعكس حجم التحديات الأمنية التي تواجهها الجزائر، وحدّة الجهود التي تُبذل على مدار الساعة لمجابهة الإرهاب والجريمة المنظمة والهجرة غير الشرعية.
ففي الفترة الممتدة بين 4 و10 جوان 2025، جاءت حصيلة العمليات الميدانية لتؤكد، مرة أخرى، أن المؤسسة العسكرية الجزائرية لا تكتفي بالدفاع عن الحدود، بل تتولى مهمة تطهير الوطن من بقايا الإرهاب، وتطويق الجرائم العابرة للحدود التي تهدد أمن البلاد واستقرارها الاجتماعي والاقتصادي.
في سابقة ذات دلالة، سلّم الإرهابي غنامي سالك نفسه للسلطات العسكرية في برج باجي مختار بالناحية العسكرية السادسة، حاملاً سلاحه الفردي من نوع كلاشنيكوف وكمية معتبرة من الذخيرة. هذه العملية لم تأت من فراغ، بل تعكس واقعًا جديدًا على الأرض: تضييق الخناق على العناصر الإرهابية، وتجفيف منابع دعمها، مما يدفع العديد منهم إلى التوبة والرجوع طواعية إلى حضن الدولة.
إن هذا التسليم الطوعي يحمل أكثر من بُعد: سياسي، أمني، ونفسي. فهو يثبت فعالية الاستراتيجية الوطنية الشاملة في محاربة الإرهاب، ويعكس نجاح العمليات الاستخباراتية والميدانية التي جعلت من الفعل الإرهابي مهمة شبه مستحيلة في الجزائر ما بعد العشرية السوداء. وهو أيضًا مؤشر على نجاح سياسة الدولة في إتاحة باب التوبة وفقًا للقانون، كوسيلة لإفراغ الجماعات الإرهابية من مضمونها البشري.
إلى جانب هذا التطور، تمكنت وحدات الجيش الوطني من توقيف ثلاثة عناصر دعم للجماعات الإرهابية في عمليات متفرقة عبر الوطن. ويُعد ضرب شبكات الدعم اللوجستي من أخطر التحديات الأمنية، نظرًا لما تلعبه هذه العناصر من أدوار حاسمة في إيواء الإرهابيين، نقل الإمدادات، والمساهمة في تحركاتهم.
إن سقوط هذه الشبكات يوجه رسالة واضحة: المعركة ضد الإرهاب لم تعد محصورة في الجبال والمخابئ؛ بل انتقلت إلى المدن والقرى، إلى فضاء المجتمع المدني، حيث تسعى الجماعات المتطرفة إلى الاستفادة من الغطاء الاجتماعي والاقتصادي. ومن هنا، تبرز أهمية الدور الاستباقي الذي تلعبه الأجهزة الأمنية في تفكيك هذه الخلايا الصامتة.
الشق المتعلق بمحاربة الجريمة المنظمة يكشف عن وجه آخر لا يقل خطورة. فقد أسفرت عمليات الجيش بالتنسيق مع مصالح الأمن عن توقيف 28 تاجر مخدرات، وإحباط محاولة تهريب 16 كيلوغرامًا من الكيف المعالج عبر الحدود الغربية، إضافة إلى حجز كمية صادمة من الأقراص المهلوسة بلغت 1.616.662 قرصًا، إلى جانب 1 كلغ من الكوكايين.
هذا الرقم يعكس أمرين جوهريين: أولاً، اتساع رقعة شبكات التهريب التي تستهدف المجتمع الجزائري، وثانيًا، حجم الاستهلاك والطلب الداخلي على هذه السموم، خاصة وسط فئات الشباب. وفي ظل ما تشهده المنطقة المغاربية من تحولات أمنية، تصبح الجزائر مستهدفة ليس فقط عبر التسلل المسلح، بل عبر استراتيجية ناعمة تهدف إلى إضعاف المجتمع من الداخل بتفشي الآفات والمخدرات.
في الجنوب، حيث الثروات المنجمية والنقطة الساخنة للصراع على الموارد، تواصلت عمليات الجيش لمكافحة شبكات التنقيب غير المشروع عن الذهب. فقد تم توقيف 60 شخصًا، وحجز 25 مركبة، و42 مولدًا كهربائيًا، و43 مطرقة ضغط، إلى جانب مواد تفجيرية وأدوات تنقيب حساسة.
ما يحدث في تمنراست وبرج باجي مختار وعين صالح لم يعد مجرد تهريب فردي أو سلوك معزول، بل تحول إلى شبكات منظمة تتقاطع فيها مصالح محلية وإقليمية ودولية. وهنا تكمن خطورة هذا النوع من الجريمة، حيث يصبح المواطن المستغل في عمليات الحفر مجرد ترس في آلة كبيرة تنهب ثروات البلاد خارج أي رقابة أو قانون.
على مستوى السواحل، لا تزال ظاهرة “الحرڤة” تفرض نفسها على المشهد الأمني. فقد أحبط حراس السواحل محاولات هجرة غير شرعية، وأنقذوا 205 أشخاص كانوا على متن قوارب تقليدية الصنع، في حين جرى توقيف 206 مهاجرين غير شرعيين من جنسيات مختلفة.
وإذا كانت محاولات الهجرة تمثل تعبيرًا عن أزمة اجتماعية واقتصادية داخلية، فإنها كذلك توظّف من قبل شبكات الاتجار بالبشر، مما يستدعي مقاربة متعددة الأبعاد: أمنية، اجتماعية، وتنموية.
إن هذه الحصيلة لا تعكس فقط نشاطًا أمنيًا أسبوعيًا؛ بل تعبّر عن بنيةٍ عسكرية أصبحت تقوم بأدوار متعددة: من مكافحة الإرهاب، إلى مقاومة الجريمة المنظمة، إلى حماية الحدود والثروات، إلى ضمان السلم الاجتماعي. فالجيش الوطني الشعبي لم يعد مجرد قوة تقليدية، بل تحوّل إلى مؤسسة أمن وطني شامل، تتكامل مع مؤسسات الدولة لحماية أمن المواطن وأمن الدولة.
ولعل أبرز ما يميّز هذه المرحلة هو الانتقال من المعالجة الأمنية الكلاسيكية إلى المقاربة المتكاملة، حيث تتضافر أجهزة الأمن، الجمارك، الدرك، وحرس السواحل، في مواجهة جبهات مترابطة ومعقدة.
إن ما تحقق خلال أسبوع واحد فقط يؤكد أن الجزائر، رغم محيطها الإقليمي المتوتر، لا تزال تمتلك أدوات فعالة لحماية نفسها. بفضل يقظة الجيش الوطني الشعبي، استطاعت الدولة أن تحول دون تمدّد الإرهاب، وأن تسيطر على نزيف المخدرات، وأن تحاصر الهجرة غير الشرعية، وأن تستعيد جزءًا من ثرواتها المنهوبة.
ويبقى التحدي المستقبلي متمثّلًا في تحويل هذه النجاحات الميدانية إلى سياسة دائمة تستند على التوعية، التنسيق، والتنمية؛ لأن المعركة الحقيقية، كما أثبت التاريخ، لا تُحسم فقط بالسلاح، بل بالفكر، بالعدالة الاجتماعية، وبمشروع وطني يستوعب طموحات المواطن قبل أن يفكر في المغامرة نحو البحر.
اكتشاف المزيد من المؤشر
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
لقاء موسّع بين وزير الاتصال والنقابات…
يواصل وزير الاتصال زهير بوعمامة خطواته الميدانية لإعادة بعث ديناميكية جديدة في قطاع الإعلا…