‫الرئيسية‬ الأولى ما وراء الحرب على غزة: هل يتحمّل المجتمع الصهيوني مسؤولية الإبادة؟
الأولى - مقالات - 14 يونيو، 2025

ما وراء الحرب على غزة: هل يتحمّل المجتمع الصهيوني مسؤولية الإبادة؟

ما وراء الحرب على غزة: هل يتحمّل المجتمع الصهيوني مسؤولية الإبادة؟
كشفت دراسة معمّقة نشرها الباحث الفلسطيني أحمد عبسيص عبر منصة “حالة حصار” (State of Siege)، عن معطيات صادمة تشير إلى أن ما يجري في قطاع غزة من إبادة ممنهجة لم يعد مجرّد نتاج حكومة متطرّفة أو زعيم واحد، بل يعكس تحوّلًا جذريًا داخل المجتمع الصهيوني بأكمله، بات يتقبل، بل ويؤيد، القتل الجماعي والتهجير القسري كوسيلة مشروعة لتنفيذ المشروع الاستيطاني.

بدأت الدراسة بتفنيد الرواية الغربية التي تحمّل رئيس الحكومة الصهيونية بنيامين نتنياهو وحده مسؤولية الجرائم المرتكبة في غزة، معتبرة أن هذا التفسير “المريح” يُخفي الحقيقة الأكثر رعبًا، مشروع الإبادة لا يُنفّذ فقط بإرادة فرد، بل بإجماع شعبي واسع يتجاوز الحدود الحزبية والدينية، ليطال كل مكونات المجتمع الصهيوني، بما فيها التيارات التي لطالما وُصفت بـ”الليبرالية” أو “المعارِضة”.

تشير الدراسة إلى نتائج استطلاع رأي أجرته جامعة ولاية بنسلفانيا الأمريكية، تكشف أن 82٪ من سكان الكيان الصهيوني يؤيدون التهجير القسري للفلسطينيين من قطاع غزة، بينما أبدى 47٪ تأييدهم لنموذج “مجزرة أريحا التوراتية” التي تم فيها قتل كل السكان وفقًا للسرد الديني. الأخطر من ذلك، أن 56٪ من الإسرائيليين يدعمون طرد الفلسطينيين من داخل الخط الأخضر، أي من أراضيهم الأصلية التي يحملون جنسيتها.

هذه المعطيات لا تنحصر ضمن جمهور اليمين الديني المتطرف فحسب، بل تشمل 70٪ من “العلمانيين” أيضًا، مما يكشف أن التطرّف ليس ظاهرة هامشية بل تحوّل إلى تيار رئيسي. ويصل التأييد إلى 97٪ بين المتدينين، ما يعكس إجماعًا غير مسبوق على فكرة التطهير العرقي.

يرى عبسيص أن ما نشهده حاليًا ليس انزلاقًا سياسيًا عارضًا، بل نتيجة حتمية لعقود من تجريد الفلسطيني من إنسانيته، وهو ما تُعرّفه العلوم السياسية والاجتماعية بـ”التجريد الجماعي”. لقد تم بناء المشروع الصهيوني على نفي وجود الشعب الفلسطيني أصلًا. هذا ما عبّرت عنه صراحة غولدا مائير عام 1969 عندما قالت: “لا وجود لشعب يُدعى الفلسطينيون”. هذا التجريد تم ترسيخه في مناهج التعليم الصهيوني، وفي الإعلام، والخطاب الديني، إلى حدّ بات فيه الفلسطيني لا يُنظر إليه ككائن بشري له حقوق، بل كعقبة ديمغرافية ينبغي التخلص منها.

من أخطر ما توصلت إليه الدراسة، أن التوجه نحو الإبادة لم يعد يُقدّم كخيار أمني أو عسكري، بل كواجب ديني مقدّس. إذ أظهرت البيانات أن 65٪ من اليهود الصهاينة يعتقدون بوجود عدو معاصر يُدعى “عماليق” (العدو التوراتي الذي أمر الرب بإبادته كاملًا، بما في ذلك الأطفال)، ويعتقد 93٪ أن الفلسطينيين يندرجون ضمن هذا التصنيف الديني. وهكذا، تُحوّل الإبادة إلى أمر إلهي، وليس مجرّد سياسة قابلة للنقد أو التراجع. إنها جزء من اللاهوت السياسي الصهيوني، مما يعني أن وقفها لا يمكن أن يحدث بإقناع سياسي، بل يحتاج إلى كسر المنظومة الدينية والأيديولوجية التي تبرّرها.

ترصد الدراسة كيف غيّرت انتفاضة الأقصى عام 2000 ملامح النظام التعليمي في الكيان الصهيوني، بحيث غرس في الأطفال مفهوم “التهديد الفلسطيني الدائم”، وضرورة استباق هذا التهديد بالقتل والإلغاء. وسائل الإعلام الصهيونية بدورها ساهمت في تحويل الفلسطيني إلى “عدو بيولوجي”، يجب اقتلاعه لحماية “الهوية اليهودية”. ولعلّ أخطر ما في هذا التحوّل، أن الأجيال الشابة أصبحت أكثر تطرفًا من آبائها. إذ تكشف الدراسة أن 9٪ فقط من الرجال اليهود دون سن الأربعين يرفضون التهجير أو القتل الجماعي، ما يعني أن جيش الاحتلال في المستقبل القريب سيكون أكثر راديكالية من أي وقت مضى.

يرى عبسيص أن ما يُسمّى بـ”الديمقراطية الإسرائيلية” لم تكن يومًا شاملة، بل كانت حكرًا على اليهود. أما اليوم، فقد سقط هذا القناع بالكامل، وبات حتى التيار اليساري الصهيوني يُبرّر المجازر. الكيبوتسات التي طالما رُوّج لها كرمز اشتراكي تقدّمي، بُنيت فوق أنقاض قرى فلسطينية تم تدميرها خلال النكبة. إن المشروع الصهيوني – وفقًا للكاتب – دخل مرحلته الأخيرة، فلسطين بلا فلسطينيين، لا عبر اتفاقيات ولا مفاوضات، بل من خلال سياسة الأرض المحروقة والتجويع والقصف الشامل.

تشير الدراسة إلى أن التواطؤ الغربي هو عامل مركزي في تمكين الكيان الصهيوني من ارتكاب هذه الجرائم. الولايات المتحدة تُواصل تزويده بالسلاح، والدول الأوروبية تكتفي بالتعبير عن “القلق” مع الحفاظ على مصالحها الاقتصادية والعسكرية مع تل أبيب. بل إن بعض المسؤولين الغربيين، مثل الرئيس الفرنسي والمستشار الألماني، يبرّرون علنًا العدوان تحت شعار “حق الدفاع عن النفس”، وهو ما اعتبره عبسيص “تواطؤًا مفضوحًا”، يحوّل القانون الدولي إلى مجرد أداة لشرعنة جرائم الحلفاء.

في خاتمة تحليله، يُطلق أحمد عبسيص تحذيرًا بالغ الجدية: “حين يصبح التطهير العرقي والإبادة خيارًا جماهيريًا وعقيدة دينية وعملًا مؤسسيًا، فإن وقفه من الداخل يصبح مستحيلًا”. ويضيف أن التاريخ أثبت أن المجتمعات التي تصل إلى هذا المستوى من التطرّف، لا تتراجع تلقائيًا، بل تحتاج إلى تدخل دولي حازم. ويختم بالقول: “الكرة الآن في ملعب المجتمع الدولي. إما أن يُقرّ بالحقيقة ويسمّي الأمور بمسمياتها، ويتخذ خطوات ملموسة لوقف هذه الإبادة، أو أن يتحمّل وزر تكرار أكثر الكوارث السوداء التي عرفتها البشرية”.


اكتشاف المزيد من المؤشر

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

اترك تعليق

‫شاهد أيضًا‬

اليمين المتطرف يهاجم الطلبة الجزائريين في فرنسا!

تعيش فرنسا منذ أسابيع على وقع جدل جديد أثارته بعض الأوساط اليمينية المتطرفة التي وجّهت سها…