المخزن بين نيران الحلفاء وورطة التطبيع.. تركي الفيصل يربك المروك
اعتاد النظام المروكي، في الآونة الأخيرة، التنديد بكل من يوجه انتقادات لإسرائيل، إلى حد التحريض أحيانًا على منتقديها، سواء كانوا شخصيات عامة أو حكومات. كما دأب على رصد كل موقف يصدر عن الجزائر ضد الكيان الصهيوني، والتنديد به فورًا، بل وصل الأمر في بعض الحالات إلى تبني مواقف داعمة لإسرائيل، وكأنها دولة مظلومة بحاجة إلى غطاء سياسي من الرباط.
لكن المفاجأة كانت هذه المرة في الصمت التام، بل الخرس الكامل، أمام التصريحات النارية للأمير تركي الفيصل، رئيس الاستخبارات السعودية السابق، التي هاجم فيها إسرائيل بشدة، دون مواربة أو مجاملة.
ففي منتدى عالمي بارز، لم يتردد الأمير السعودي في المطالبة صراحة بضرب مفاعل ديمونة النووي الإسرائيلي، أسوة بما تم ضد المنشآت النووية الإيرانية. كما ندد بشدة بازدواجية المعايير التي تنتهجها الولايات المتحدة في سياستها الدولية، حيث تغض الطرف عن جرائم الاحتلال الإسرائيلي في فلسطين ولبنان وسوريا والعراق، بينما تسارع إلى فرض عقوبات غير مسبوقة ضد دول أخرى، مثل روسيا عقب تدخلها في أوكرانيا.
الأمير تركي الفيصل ذكّر بمواقف والده، الملك فيصل بن عبد العزيز، رحمه الله، الذي رفض زيارة الولايات المتحدة في ظروف مشابهة، واتخذ مواقف مبدئية دفاعًا عن قضايا الأمة. كما أشار إلى أنه امتنع عن زيارة أمريكا خلال رئاسة دونالد ترامب، بسبب مواقف الإدارة الأمريكية المنحازة لإسرائيل.
في مقابل ذلك، التزم المخزن المروكي الصمت التام، وكأن لسانه قد عقد. لم يصدر أي تعليق، لا تنديد ولا حتى توضيح. علماً أن التصريحات الصادرة عن الأمير تركي تمثل موقفًا سعوديًا واضحًا، وتعد ردًا مباشرًا على ما تم تداوله في الإعلام الإسرائيلي بشأن تطبيع محتمل، وعلى تصريحات وزير مالية الكيان المحتل، الذي تحدث عن طلب رسمي تقدمت به إسرائيل للإمارات من أجل تمويل حربها ضد إيران.
هذا الصمت المروكي يطرح أكثر من تساؤل: أين هو “أمير المؤمنين”، الذي اعتاد الدفاع عن إسرائيل في المحافل الدولية؟ أين اختفى موقف الرباط الصاخب، الذي لا يتردد في مهاجمة الجزائر وتحريض إسرائيل ضدها؟ لماذا يسكت اليوم، رغم أن السعودية – التي يدافع عنها الأمير تركي – تتبنى مواقف أكثر وضوحًا ضد تل أبيب؟ هل يخشى النظام المروكي من فقدان الدعم السعودي، سواء المالي أو السياسي، في لحظة حرجة تمر بها المملكة؟
الأسئلة تزداد حدة حين نعلم أن المخزن لا يتردد في التحريض ضد دول شقيقة، وعلى رأسها الجزائر، بل ويطالب علنًا بضربها من قبل إسرائيل أو الولايات المتحدة. فهل يجرؤ على اعتماد نفس الخطاب تجاه السعودية، أم أن الحسابات تختلف عندما يكون الطرف الآخر دولة بحجم المملكة؟
والأهم، لماذا لا يجرؤ الإعلام الموالي للمخزن على انتقاد السعودية بعد هذه التصريحات؟ ولماذا لا يُتَّهم الأمير تركي الفيصل بـ”معاداة السامية” كما يتهم بها كل من يجرؤ على كشف جرائم الاحتلال؟ أم أن الأمر ببساطة يعود إلى ميزان القوى، حيث يعرف المخزن المروكي جيدًا حجمه الحقيقي في المعادلة الإقليمية والدولية، حتى وإن حاول التظاهر بعكس ذلك من خلال تحالفاته المعلنة مع إسرائيل وأمريكا؟
من الواضح أن حسابات المخزن تغيرت، وأنه يفتقد اليوم إلى البوصلة في مشهد دولي شديد التعقيد. فالمواقف الصبيانية تجاه إيران، على سبيل المثال، لم تعد تُقنع أحدًا، خاصة أن طهران تحظى بدعم واضح من قوى عظمى مثل روسيا والصين، في حين يقف النظام المروكي عاريًا، بلا دعم جدي، سوى من تحالفات ظرفية مع قوى لم تعد تملك نفس النفوذ السابق.
إن الموقف المروكي المتخاذل أمام تصريحات الأمير تركي الفيصل لا يعكس فقط ارتباكًا سياسيًا، بل يفضح ازدواجية في الخطاب والممارسة. فحين تصدر الانتقادات من الجزائر أو من جهات مناوئة للتطبيع، يسارع المخزن إلى رفع الصوت، أما حين يأتي الكلام من بيت عربي كبير كالسعودية، فالصمت هو الجواب الوحيد.
يبقى أن النظام المروكي، بهذا الأداء المرتبك، يضع نفسه خارج سياق التأثير العربي، ويؤكد أنه بات لاعبًا هامشيًا في قضايا المنطقة، حتى وإن حاول إيهام الرأي العام بعكس ذلك.
اكتشاف المزيد من المؤشر
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
الجزائر لا تُنسى… ومن يتجاهلها يُخطئ في حقّ الوفاء
صرّح ممثل حركة “حماس” في الجزائر، للإذاعة الجزائرية الدولية، بشأن التصريحات ال…