‫الرئيسية‬ الأولى مروة… حين يُغتال الشرف من وراء البحار
الأولى - الافتتاحية - 1 يوليو، 2025

مروة… حين يُغتال الشرف من وراء البحار

مروة... حين يُغتال الشرف من وراء البحار
ما زالت في مجتمعاتنا تُجلّ الطفولة وتقدّس براءتها، لم تكن مأساة مروة مجرّد جريمة قتل. لقد كانت فاجعة وطنية، هزّت وجدان الجزائريين، وأعادت فتح جراح قديمة اعتقدنا أنها اندملت. لكن ما لا يقلّ رعبًا عن يد المجرم الذي قتل الطفلة، هو أولئك الذين قتلوا كرامتها وشرفها من بعيد، من وراء الشاشات… ومن وراء البحار.

إن القتل الأول كان بفعل سكين، أما الثاني، فبفعل الكلمة. سلاح رقمي ملوّث بالحقد، سُلط على طفلة بريئة لا تملك الدفاع عن نفسها، ولا حتى عن ذكراها. جريمة أخلاقية ثانية لا تقلّ فظاعة عن الأولى، بل قد تكون في بعض أوجهها أبشع، لأنها اغتيال معنوي، يحدث تحت أنظار الجميع، ويجد له جمهورًا ومشاركين ومعلّقين.

لقد تحوّلت مأساة مروة إلى ساحة مفتوحة للمتاجرة الإعلامية، استغلّها أفراد وجماعات من خارج الجزائر، من مدن وعواصم بعيدة، لا تحرّكهم رحمة ولا احترام للمصاب، بل نوايا خبيثة للتشويه، والمزايدة، وتصفية الحسابات السياسية. هؤلاء لم يكتفوا بتداول إشاعات قذرة، بل تجاوزوا كل حدود الحشمة، بتوجيه اتهامات باطلة وطاعنة في شرف الضحية وأسرتها، في واحدة من أحطّ صور “القتل المعنوي” التي تُرتكب تحت عباءة “حرية التعبير”.

لكن، أين العدالة؟ ولماذا لا تتحرك؟ السؤال بات مُلحًا، ليس فقط لعائلة مروة، بل لمجتمع بأكمله يترقّب وقفة صارمة ضد جريمة رقمية مستفزّة، تُهدّد ما تبقى من القيم والحدود الأخلاقية. فهل يجوز أن يُترك هؤلاء المارقون، ينهشون أعراض الموتى، دون حسيب أو رقيب، فقط لأنهم خارج الحدود؟

القوانين الجزائرية، خصوصًا قانون مكافحة الجرائم الإلكترونية، تنصّ بوضوح على تجريم التشهير والقذف ونشر الأخبار الكاذبة، حتى إن كانت موجهة لأشخاص متوفين. والأدهى أن القذف طال طفلة، لا تملك أي سجل ولا مسؤولية. ومع ذلك، لم يُسجّل إلى حد الآن أي تحرّك قضائي ضد المسيئين، رغم وفرة الأدلة الرقمية، وعلنية الإساءات.

إن تحرك النيابة العامة بات ضرورة أخلاقية، وليس خيارًا. فالتلكؤ في مواجهة هذا النوع من الجرائم قد يُشكّل سابقة خطيرة، ويمنح الضوء الأخضر لكل من يريد تحويل المآسي الإنسانية إلى مواد للإثارة، أو ساحة لتصفية مواقف عدائية ضد الدولة أو المجتمع.

كما يجب مساءلة الدور المتراخي لبعض المنصات الرقمية التي سهّلت انتشار هذا المحتوى المسيء، من دون رقابة فعالة، أو احترام لكرامة الضحايا. وهنا، يبرز مطلب وطني واضح: تجريم الإساءة لضحايا الجرائم الكبرى وتجديد أدوات الردع الإلكتروني، عبر تفعيل آليات التعاون القضائي الدولي، وملاحقة كل من تجرّأ على طعن الشرف من وراء البحار.

إن السكوت عن قتل مروة للمرة الثانية، يعني المشاركة الضمنية فيه. وإن الدفاع عن شرفها اليوم، هو دفاع عن كل طفل بريء قد يُذبح في المرة القادمة، مرتين.

مروة، تلك الطفلة التي لم تسعَ سوى للعودة إلى حضن أمها بعد امتحان بسيط، عادت بدلًا من ذلك في كفن. لكن من واجبنا أن نضمن على الأقل ألا يُداس شرفها، وأن يحاسب كل من اعتدى على إنسانيتها. وليس أقلّ من ذلك عدالة.


اكتشاف المزيد من المؤشر

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

اترك تعليق

‫شاهد أيضًا‬

القضاء يطوي صفحة ساركوزي.. أول رئيس فرنسي يدخل السجن يوم 21 أكتوبر

يدخل نيكولا ساركوزي التاريخ من أوسع أبوابه، لا كرجل دولة استثنائي كما أراد لنفسه ذات يوم، …