‫الرئيسية‬ الأولى ترامب يقبل بتزويد أوكرانيا بالسلاح؟
الأولى - الدولي - مقالات - 16 يوليو، 2025

ترامب يقبل بتزويد أوكرانيا بالسلاح؟

ترامب يقبل بتزويد أوكرانيا بالسلاح؟
أعلن الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب عن قبوله تزويد أوكرانيا بأسلحة متوسطة المدى، قد تُستخدم – حسب المتابعين – في ضرب العمق الروسي. هذا الموقف، الذي جاء من سياسي لطالما قدّم نفسه كرجل سلام ووسيط مفاوضات، يبدو هذه المرة مناقضًا لكل تصريحاته السابقة التي دعا فيها إلى إنهاء النزاع الأوكراني عبر الحلول الدبلوماسية.

التصريحات الأخيرة للرئيس ترامب تسير في اتجاه تصعيد خطير، لا سيما وأنه لم يتردد في دعم خيار التسليح، مبررًا ذلك بأن تكلفة هذه الأسلحة لن تتحملها الولايات المتحدة، بل سيدفع ثمنها الاتحاد الأوروبي. وكأن ترامب يحاول استخدام أوروبا مجددًا كأداة في صراعاته الجيوسياسية، دون اكتراث بالعواقب الأمنية والعسكرية، سواء على مستوى الإقليم الأوروبي أو الأمن العالمي برمته.

محاولة ترامب إخفاء حقيقة الموقف الأمريكي خلف حجة التمويل الأوروبي لا تغيّر شيئًا من جوهر القرار، الذي يعكس نية حقيقية لدى الإدارة الأمريكية – سواء الحالية أو المحتملة مستقبلاً – في إطالة أمد الحرب في أوكرانيا، وإبقاء المنطقة في حالة استنزاف دائم، كجزء من استراتيجية شاملة تهدف إلى إضعاف روسيا تمهيدًا لعزل الصين، القوة الاقتصادية والعسكرية الصاعدة.

وروسيا، بدورها، لم تبق مكتوفة اليدين. إذ أرسلت وزير خارجيتها في جولة دبلوماسية إلى كل من كوريا الشمالية والصين، في مسعى لتدعيم التحالفات السياسية والعسكرية بين هذه الدول، لمواجهة ما تعتبره موسكو “العدوان الغربي الممنهج بقيادة أمريكا”. هذا التحرك الروسي يعكس إصرارًا واضحًا على تعزيز المحور الشرقي لمجابهة ضغوط المعسكر الغربي، الذي بات أكثر شراسة وعدوانية منذ فشل العقوبات الغربية في تحقيق أهدافها منذ 2022.

المشهد الراهن يؤكد أن الغرب اليوم يعيش حالة من الارتباك والتخبط، إذ يجد نفسه أمام واقع جديد فرضته الأحداث، أوكرانيا في طريقها إلى الانهيار العسكري الكامل، رغم كل الدعم المالي والعسكري والإعلامي الذي حظيت به منذ بداية الحرب.

أوروبا والولايات المتحدة، اللتان راهنتا على كسر موسكو اقتصاديًا وعسكريًا، فشلتا في حساباتهما، والآن يواجهان معضلة كبرى: هل يدخل الغرب مواجهة مباشرة مع روسيا، بكل ما تحمله من تداعيات كارثية على البشرية؟ أم يبحث عن مخرج تفاوضي، يضمن له الحد الأدنى من المكاسب دون أن يُظهر نفسه بمظهر المنهزم؟

ومن هنا يبرز التهديد الأكبر: هل تسعى واشنطن إلى دفع أوروبا نحو الحرب بالوكالة، بينما تكتفي هي بإدارة اللعبة من بعيد؟ وإذا انضمت أوكرانيا رسميًا إلى الاتحاد الأوروبي أو حلف شمال الأطلسي (الناتو)، كما يُروّج له حاليًا، فإن ذلك سيُعتبر من قبل موسكو إعلان حرب مباشر، لا رجعة فيه، وسيُشعل جبهات صراع قد تمتد إلى قلب أوروبا.

في هذا السياق، جاءت تصريحات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين واضحة ومباشرة، إذ اتهم الولايات المتحدة بأنها رأس الأفعى في الحرب الأوكرانية، محذرًا من أن أي تصعيد جديد لن يُبقي أمريكا بمنأى عن تبعات الحرب، بل سيطالها الدمار كما سيطال أوروبا وغيرها.

بوتين لمّح إلى أن استخدام أسلحة بعيدة المدى ضد روسيا من قبل كييف – بدعم أمريكي – سيُعتبر تجاوزًا لكل الخطوط الحمراء، ما يفتح الباب أمام سيناريوهات مروعة قد تشمل استخدام خيارات غير تقليدية، لن تُبقي أي طرف خارج دائرة النار.

في السياق الأوسع، يُظهر سلوك الغرب – بقيادة واشنطن – أنه يعيش أزمة بنيوية عميقة. فالنظام الرأسمالي، الذي يواجه اختناقات اقتصادية منذ أزمة 2008، لا يجد حلًا سوى في تصدير أزماته نحو الخارج، عبر الحروب والعنف وتغذية بؤر الصراع. وكلما اشتدت الأزمات في الداخل الغربي، كلما لجأ إلى افتعال حروب جديدة، وهو ما نلاحظه اليوم في الملف الأوكراني.

إلا أن معادلة القوى لم تعد كما كانت في السابق. لم تعد أمريكا وحلفاؤها وحدهم في الساحة. اليوم هناك قوى صاعدة مثل روسيا، الصين، الهند، كوريا الشمالية، وربما آخرون، باتت تملك من القدرات ما يسمح لها بكسر التفوق الغربي، إن لم يكن ميدانيًا فعلى الأقل استراتيجيًا وجيوسياسيًا. هذه الدول تُدرك أن لحظة الصدام باتت قريبة، وهي تستعد لها بكل الوسائل الممكنة.

من الناحية التاريخية، فإن انهيار الاستعمار التقليدي أعقبه نمط استعماري جديد قائم على الهيمنة الاقتصادية والسياسية والثقافية. غير أن العالم يشهد اليوم صحوة دول الجنوب، وعودة حركات التحرر من الهيمنة الغربية، مدفوعة بتجارب مريرة من الخداع السياسي والنهب الاقتصادي.

فقدان الغرب لمصادر الطاقة والمواد الأولية التي كانت تمول نماذجه الاقتصادية منذ قرون، أجبره على مواجهة واقع جديد، تحوّلت فيه دول كانت بالأمس تُعتبر “هامشية” إلى لاعبين إقليميين ودوليين رئيسيين. وتوسّع دائرة الدول التي ترفض الوصاية الغربية وتطالب بعلاقات نديّة عادلة يضع النظام الدولي القائم على المحك.

تاريخيًا، لم تحقق الولايات المتحدة أي نصر حقيقي في حروبها الخارجية منذ سبعين عامًا. منذ هزيمتها في فيتنام، إلى فشلها في أفغانستان والعراق وليبيا وسوريا، لم تكن تلك الحروب سوى كوارث إنسانية وخسائر استراتيجية، لا زالت آثارها قائمة حتى اليوم.

حرب أوكرانيا ليست استثناءً، بل هي امتداد لذات العقلية الأمنية الأمريكية التي لا ترى في العالم سوى حلبة صراع وتفوق، حتى وإن كان الثمن هو دمار البشرية. وما يجري منذ 2014 – حين أشعلت الاستخبارات الأمريكية شرارة الانقلاب في كييف بدعم من جماعات أوكرانية أمريكية الهوى – يثبت أن هذه الحرب ليست وليدة اللحظة، بل مخطط استراتيجي طويل الأمد.

نحن اليوم أمام لحظة تاريخية فارقة: الغرب يرفض التخلي عن قيادة عالم لم يعد يعترف به كمرجعية. يعاني من الإنكار السياسي، ويعيش في حالة إنكار استراتيجي. لم يعد يمتلك الأدوات لإدارة مرحلة ما بعد الهيمنة، فيلجأ إلى إشعال الحروب، كخيار أخير للفرار من الانهيار.

والأخطر من كل ذلك هو غياب العقلاء، وتهميش أصوات الحكمة التي تدعو إلى الحوار والجلوس حول طاولة تفاوض موسعة. القمع السياسي والإعلامي في الغرب ضد هذه الأصوات يعرقل أي محاولة جادة لحل الأزمة، ويزيد من احتمالات الانفجار الشامل.

المرحلة القادمة ستكون حاسمة في تحديد مصير العالم لعقود قادمة. والأمر لم يعد يقتصر على روسيا وأوكرانيا، بل يشمل مستقبل النظام الدولي برمته. وعلى الدول العاقلة أن تعي خطورة اللحظة، وتسعى بكل طاقاتها إلى إعادة صوت العقل إلى الواجهة، قبل أن تسقط البشرية جمعاء في هاوية لا خروج منها.


اكتشاف المزيد من المؤشر

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

اترك تعليق

‫شاهد أيضًا‬

الجزائر لا تُنسى… ومن يتجاهلها يُخطئ في حقّ الوفاء

صرّح ممثل حركة “حماس” في الجزائر، للإذاعة الجزائرية الدولية، بشأن التصريحات ال…