‫الرئيسية‬ الأولى عجائب تنبؤات مقري.. كيف أصبحت الجزائر هدفًا محتملاً لإسرائيل؟
الأولى - الوطني - مقالات - 18 يوليو، 2025

عجائب تنبؤات مقري.. كيف أصبحت الجزائر هدفًا محتملاً لإسرائيل؟

عجائب تنبؤات مقري.. كيف أصبحت الجزائر هدفًا محتملاً لإسرائيل؟
غرّد الدكتور عبد الرزاق مقري، الرئيس السابق لحركة مجتمع السلم، على منصة X (تويتر سابقًا) بتصريح مثير للجدل، جاء فيه أن إسرائيل قد تُقدِم على قصف دول عربية وإسلامية، وذكر تحديدًا الجزائر، تركيا، وباكستان، دون تقديم أي مصدر أو دليل يدعم هذه الفرضية الخطيرة. وقد نقل موقع “العربية الجزائر” هذه التغريدة، التي أثارت جدلًا واسعًا، خاصة أن مقري ربط قصف إسرائيل لسوريا بما وصفه بـ”فشل إسرائيل في غزة”، في تحليل سياسي يفتقر إلى التماسك المنطقي والموضوعية.

تغريدة من هذا النوع لا يمكن المرور عليها مرور الكرام، لأنها ليست مجرد رأي شخصي، بل زجّ مباشر باسم الجزائر في سيناريو عدواني خطير، دون تقديم أي معطيات واضحة أو حتى مبررات سياسية. فمن أين أتى الدكتور مقري بهذه المعلومة؟ هل هي “إلهام سياسي”؟ أم وصلته من بعض أذرع التنظيم الدولي للإخوان المسلمين، الذي ينتمي إليه، والذي يرتبط تاريخيًا بجهات خارجية مشبوهة؟

علينا ألا ننسى أن مؤسس هذا التنظيم، حسن البنا، كان ينحدر من أصول مغربية يهودية، وأن المشروع الإخواني ظل على مدار تاريخه يتقاطع – عن قصد أو عن جهل – مع أجندات دولية مشبوهة، تستهدف سيادة الدول الوطنية من الداخل، باسم الدين أو الثورة.

أما القول إن إسرائيل “تعاني” في غزة، فهو مجانب تمامًا للواقع. ما حدث في القطاع خلال الأشهر الماضية هو مأساة حقيقية ودمار شبه كامل للبنية التحتية، وقتل جماعي للمدنيين، وضربات عشوائية لم تبقِ ولم تذر. ومع أن هذا لا ينفي الجرائم التي ارتكبتها إسرائيل، لكنه يُظهر أن مقولة “فشلت إسرائيل” لا تعني بالضرورة أن ميزان القوى تغيّر لصالح الفلسطينيين. بل الحقيقة أن غزة تم تدميرها، والعالم كله شاهد على ذلك، وللأسف، دون رادع دولي فعلي.

ثم إن مقري يتحدث وكأن سوريا لم تكن تُقصف من قبل. إسرائيل بدأت استهداف الأراضي السورية منذ سنوات، وتحديدًا منذ انطلاق الأزمة في 2011. بل إنها قامت بتدمير البنية العسكرية السورية تدريجيًا، عبر قصف المطارات ومراكز القيادة، دون أن تكون هناك حرب في غزة، أو حتى في الضفة. وبالتالي، ربط القصف الإسرائيلي لسوريا بـ”فشل إسرائيل في غزة” ليس سوى تبسيط ساذج وتحليل غير دقيق.

الواقع أن التنسيق الإسرائيلي – السوري، رغم كل العداوات الظاهرة، لم ينقطع يومًا، وهو ما تؤكده تقارير متعددة حول لقاءات سرية في أذربيجان، وغيرها. سوريا، ومنذ سنوات، أصبحت ساحة لتقاطع مصالح دولية، منها إسرائيل وتركيا وبريطانيا والولايات المتحدة، وكل واحدة تسعى لاقتطاع “حصتها” من هذه الدولة المنهكة.

إسرائيل استولت فعليًا على مصادر المياه السورية، بينما تركيا تسعى للسيطرة على الغاز والنفط في مناطق الأكراد، بعد أن فرضت هيمنتها على الشمال السوري، الذي أصبح اليوم منطقة ناطقة باللغة التركية أكثر مما هي سورية الأصل.

وبالحديث عن تركيا، فإن الحديث عن صدام عسكري محتمل بينها وبين إسرائيل مجرد خيال سياسي. تركيا عضو في حلف شمال الأطلسي (الناتو)، وأي هجوم على أراضيها يعني تفعيل المادة الخامسة من ميثاق الحلف، التي تنص على أن أي اعتداء على دولة عضو يُعد اعتداءً على الحلف بأكمله. فهل إسرائيل مستعدة للدخول في حرب مع الناتو؟ بالطبع لا. أما الخلافات بين الطرفين، كقضية طائرات “إف 35″، فهي خلافات تكنولوجية وتجارية، لا أكثر، ولن تتطور إلى مواجهة عسكرية. تصريحات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ضد إسرائيل أصبحت روتينًا خطابيا لا يصدقه أحد، لا في الداخل التركي، ولا في الخارج، بعدما بات واضحًا أن أنقرة وتل أبيب تحتفظان بعلاقات استراتيجية وتعاون اقتصادي وأمني مستمر.

أما الزجّ باسم باكستان في تغريدة مقري، فهو أمر لا يتعدى كونه “فذلكة” – كما يصفه الأشقاء في تونس – تهدف إلى ملء التغريدة وتضخيمها إعلاميًا، دون أي أساس واقعي.

لكن الأخطر هو ذكر الجزائر بالاسم، والحديث عن احتمالية قصفها من طرف إسرائيل. هذا الطرح يُثير تساؤلات عميقة، هل تلقّى الدكتور مقري هذه “المعلومة” من دوائر إخوانية مقربة من المخزن؟ هل أصبحت بعض الأجنحة الإخوانية في المروك، التي أعلنت ولاءها التام للملك محمد السادس، هي من تُغذّي هذه الخطابات؟

نتذكّر جميعًا توقيع سعد الدين العثماني، القيادي في حزب العدالة والتنمية، على اتفاقيات التطبيع مع الكيان الصهيوني، ولم نسمع في تلك الفترة كلمة واحدة من الدكتور مقري تندد بما فعله “إخوانه” في المروك. بل على العكس، كان يدعو حينها إلى “فتح الحدود” مع المروك، ويصدر بيانات “تهدئة”، وكأن التطبيع لم يحدث، أو كأنه أمر ثانوي أمام حسابات الجماعة.

الصمت عن تطبيع إخوان المروك، والتغطية على ممارسات حكومة طالبان في أفغانستان – التي منعت المرأة من التعليم، وأعلنت أن وجهها وصوتها “عورة” – كلها مؤشرات على ازدواجية خطاب الدكتور مقري، وعلى أن مرجعيته الإيديولوجية مقدّمة على مصالح بلده.

وبعد كل هذا، يعود ليطرح علينا سيناريو افتراضيًا خطيرًا: أن إسرائيل قد تقصف الجزائر! هذا التصريح لا يخلو من توجّه خفي يدفع نحو إدخال الجزائر في صراعات خارجية، أو على الأقل زرع الخوف والبلبلة في الداخل. وإذا لم تدخل الجزائر في هذه الحرب، يعود ليتهمها بالتقاعس. وإن لم يحصل القصف أصلًا، لا يقدم تفسيرًا من أين جاء بالخبر. فهل هي مجرد مناورة سياسية من زعيم سابق في حزب فقد تأثيره بعد خروجه من دوائر السلطة؟ أم هي جزء من مخطط لخلط الأوراق كما حصل في موجة “الربيع العربي” التي أدخلت دولًا في أتون الفوضى؟

الرسالة واضحة، كلما ابتعد الإخوان المسلمون عن دوائر السلطة، ازداد قلقهم، وازداد تعلقهم بالأزمات الخارجية كأمل في العودة. لكن الجزائر أكبر من كل هذه المناورات، ولها رب يحميها وشعب واعٍ يعرف من يزرع الفتنة ومن يُدافع عن الوطن.

إن المسؤول السياسي، إن كان حقًّا وطنيًّا، يجب أن يكون آخر من يتحدث عن عدوان خارجي على بلده، خصوصًا في ظرف حساس كهذا. لأن الكلمة لها وزن، والتصريحات تؤثر في معنويات الشعب، وخصوصًا أتباعه. والمعنويات، كما هو معلوم، هي عنصر أساسي في كل مقاومة وطنية. أقول في الختام، سجّل يا تاريخ.


اكتشاف المزيد من المؤشر

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

اترك تعليق

‫شاهد أيضًا‬

الجزائر لا تُنسى… ومن يتجاهلها يُخطئ في حقّ الوفاء

صرّح ممثل حركة “حماس” في الجزائر، للإذاعة الجزائرية الدولية، بشأن التصريحات ال…