الجيش يصنع المجد… أين السياسيون؟
في الرابع من أغسطس من كل عام، تحيي الجزائر ذكرى تأسيس الجيش الوطني الشعبي، امتداد جيش التحرير الوطني، هذا الصرح السيادي الذي أنقذ الوطن من براثن العشرية السوداء، حيث واجه واحدة من أعتى قوى الظلام التي حاولت إسقاط الدولة الجزائرية. بفضل تضحيات جسام، استطاع الجيش الوطني الشعبي أن ينتصر على الإرهاب المسلح، ويفرض الأمن، ويحمي الشعب الجزائري من التفكك والانهيار.
الجيش الوطني الشعبي هو الحارس الأمين لاستقلال الجزائر، ودرعها المنيع في وجه القوى التي تناور ليل نهار للنيل من وحدة الوطن. تلك القوى تتلون وتتنوع، فتارة تدعو إلى تقسيم الجزائر، وتارة أخرى تحاول إعادة إحياء الفكر المتطرف الذي جرّ البلاد في السابق إلى حمامات من الدماء والخراب.
هذه الذكرى الوطنية ليست مجرد احتفال رسمي، بل هي لحظة فخر لكل جزائري حر، داخل الوطن أو خارجه، في موقع المسؤولية أو بين عامة الناس. فلولا صمود الجيش الوطني الشعبي، لما كانت الجزائر اليوم تقف شامخة، تقارع القوى الكبرى، وتفرض رؤيتها في محيطها الإقليمي والدولي.
الجيش الوطني الشعبي، وريث جيش التحرير، انتقل من مرحلة المقاومة إلى جيش متطور وحديث، يواكب التكنولوجيا المتقدمة، ويتقن استخدام السلاح الجوي والبحري والبري. لقد أصبح قادراً على تأمين التراب الوطني برا وبحرا وجوا، بشبكة مراقبة دقيقة وحديثة.
حادثة إسقاط الطائرة المسيرة (الدرون) التي اخترقت حدود الجزائر الجنوبية، كانت رسالة صارمة لكل من يتربص بأمن الجزائر. لقد أثبتت تلك العملية قدرة الجيش على حماية السيادة الوطنية، كما أبرزت تطور الصناعات العسكرية المحلية، التي أصبحت مفخرة وطنية وركيزة للأجيال القادمة. ولا يمكن تجاهل الدور الكبير الذي تلعبه مدارس التكوين العسكري في صناعة الكفاءات، خاصة في ظل تراجع التعليم المدني.
اليوم الوطني للجيش هو مناسبة لتوجيه التحية لهذه المؤسسة التي لا تنام، والتي تقف سداً منيعاً في وجه كل الأخطار، من محاربة المخدرات التي أصبحت آفة تهدد المجتمع، إلى التصدي لحروب الجيلين الرابع والخامس، التي تستهدف العقول والنفوس، وتبث الشك والتشكيك في التاريخ والهوية. تلك الحروب تأخذ شكل حملات تشويه يومية على مواقع التواصل الاجتماعي، تحاول النيل من رموز الدولة والمجتمع، وتبث الأكاذيب والإسفاف، وتمس بسمعة المسؤولين والمواطنين على حد سواء.
إن المسار الطويل والمُعقد الذي يخوضه الجيش الوطني الشعبي منذ تأسيسه إلى اليوم، هو معركة من أجل بقاء الجزائر موحدة، ذات سيادة، آمنة ومستقرة، في وقت تتكالب فيه قوى الهيمنة لإعادة تشكيل خارطة العالم، ولا تخفي أطماعها في الثروات والحدود والمصير.
ومن هذا المنبر، نقولها بوضوح، لا يكفي أن نتغنّى بالجيش في المناسبات، بل الواجب على كل جزائري أن يسنده ويدعمه، لا أن يكتفي بالتفرج من بعيد. وعلى الطبقة السياسية أن تنهض بدورها التاريخي، بدل الاكتفاء بانتظار الجيش ليتحمل وحده عبء المواجهة.
رسالتي إلى السياسيين واضحة، كفى تخاذلًا. دافعوا عن وطنكم كمناضلين، كما فعل أسلافكم في الثورة. لا تتخلوا عن جبهتكم السياسية، فأنتم الجدار الأول أمام الاستهداف الخارجي. السياسي الحقيقي هو الجندي الأول في ساحة الصراع، قبل أن يتحرك الجيش.
ما يحدث اليوم ضد الجيش الوطني الشعبي ليس صدفة، بل حرب معلنة على المؤسسة الوحيدة التي لا تزال تحظى بثقة الشعب. والمؤسف أن الحياة السياسية في الجزائر تعاني من العجز، التشتت، غياب الرؤية، وانعدام القدرة على التجنيد. الاعتماد على المجتمع المدني مهم، لكنه لا يُغني عن الأحزاب السياسية، ولن يعوّض غيابها، وإلا لما اعتمدت أعظم الدول على العمل الحزبي المنظم.
تحية خالصة إلى أفراد الجيش الوطني الشعبي، بمناسبة عيدهم الوطني. أنتم صمّام الأمان وركيزة الدولة، فكل التحية والتقدير لكم.
اكتشاف المزيد من المؤشر
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
الجزائر لا تُنسى… ومن يتجاهلها يُخطئ في حقّ الوفاء
صرّح ممثل حركة “حماس” في الجزائر، للإذاعة الجزائرية الدولية، بشأن التصريحات ال…