‫الرئيسية‬ في الواجهة اقتصاد مشروع قانون المالية 2026 يرسم طريق الازدهار الوطني
اقتصاد - الأولى - مال واعمال - مقالات - ‫‫‫‏‫يوم واحد مضت‬

مشروع قانون المالية 2026 يرسم طريق الازدهار الوطني

مشروع قانون المالية 2026 يرسم طريق الازدهار الوطني
يتّجه الاقتصاد الجزائري بخطى واثقة نحو مرحلة جديدة من النمو الشامل والتنمية المتوازنة، بفضل ما يحمله مشروع قانون المالية لسنة 2026 من رؤى طموحة وإجراءات مدروسة تهدف إلى ترسيخ أسس اقتصاد قوي ومتنوع. فالمؤشرات الواردة في المشروع تُبرز بوضوح رغبة الدولة في الانتقال من اقتصاد يعتمد على الريع إلى اقتصاد إنتاجي قادر على خلق الثروة ومناصب العمل وتحقيق الرفاه الاجتماعي، من خلال تنشيط مختلف القطاعات الحيوية، وعلى رأسها الزراعة، الصناعة، الطاقة، والمناجم.

تشير التوقعات إلى أن الناتج المحلي الإجمالي بالأسعار الجارية سيبلغ نحو 41.878,3 مليار دينار في عام 2026، ثم سيرتفع تدريجياً إلى 48.395,7 مليار دينار بحلول عام 2028، أي بزيادة تفوق 15% خلال ثلاث سنوات فقط، وهو ما يعكس استمرار الزخم الإيجابي الذي يعرفه الاقتصاد الوطني في ظل الإصلاحات التي باشرتها الدولة. كما يُنتظر أن يحقق الاقتصاد الوطني معدلات نمو حقيقية مريحة تصل إلى 4,1% في سنة 2026، و4,4% في 2027، و4,5% في 2028، وهي نسب تعبّر عن ديناميكية متصاعدة تؤكد استقرار بيئة الأعمال وثقة المستثمرين في السوق الجزائرية.

هذا التحسن اللافت يعكس بوضوح الرؤية الاقتصادية لرئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، الذي أعلن عزمه على رفع الناتج المحلي الإجمالي إلى 400 مليار دولار بحلول سنة 2027. ويستند هذا الهدف إلى جملة من المشاريع الضخمة التي ستحدث نقلة نوعية في بنية الاقتصاد الوطني، على غرار استغلال منجم الحديد بغار جبيلات في تندوف، ومشروع الفوسفات ببلاد الحدبة، إلى جانب المزرعة العملاقة لإنتاج الحليب المجفف في بلدة بلدة بولاية أدرار، ومشروع إنتاج القمح الصلب والبقوليات بالشراكة مع المجمع الإيطالي BF في تيميمون. هذه المشاريع تمثل نموذجاً واضحاً لتوجه الجزائر نحو اقتصاد متنوع يقوم على الاستثمار المنتج وتحويل الموارد الطبيعية إلى قيمة مضافة حقيقية داخل البلاد.

وتُظهر أرقام مشروع قانون المالية أن الناتج المحلي الإجمالي خارج قطاع المحروقات سيواصل نموه بوتيرة قوية، حيث يُتوقع أن يصل إلى 36.286,5 مليار دينار في عام 2026، ثم إلى 43.117,8 مليار دينار في عام 2028، بزيادة تقارب 19% في ثلاث سنوات. هذه النتائج تعكس نجاح السياسات الحكومية في تحفيز النشاط الاقتصادي الداخلي، وتنويع مصادر الدخل الوطني، وتقليص التبعية لعائدات النفط والغاز. كما أن ارتفاع النمو غير النفطي إلى 5% في أفق 2027 يعكس ديناميكية جديدة في قطاعات الزراعة والصناعة والخدمات، ويؤكد أن التحول الاقتصادي في الجزائر يسير بخطى ثابتة ومدروسة.

ويُعد القطاع الزراعي أحد أبرز ركائز هذا التحول الإيجابي، حيث تراهن الحكومة عليه كقاطرة رئيسية لتحقيق الأمن الغذائي وتعزيز النمو المستدام. فمشروع قانون المالية يضع هدفاً طموحاً يتمثل في رفع إنتاج الحبوب من 44 مليون قنطار سنة 2026 إلى 62 مليون قنطار سنة 2028، وهي قفزة كبيرة تؤكد قدرة الفلاحة الجزائرية على لعب دور ريادي في الاقتصاد الوطني. ويستند هذا الهدف إلى خطة متكاملة تشمل إدارة مائية أكثر كفاءة عبر التوسع في الري بالتنقيط وبناء السدود وحماية الموارد الجوفية، إلى جانب تحديث الممارسات الزراعية باستعمال بذور محسّنة وأسمدة متوازنة وتعميم نظام تناوب المحاصيل. كما تسعى الحكومة إلى تسهيل تمويل الفلاحين الصغار وتوسيع التأمين الزراعي ضد الكوارث المناخية، مما يمنح النشاط الفلاحي استقراراً واستدامة أكبر.

ولا يقتصر الاهتمام بالزراعة على الإنتاج فقط، بل يشمل أيضاً تطوير البنية التحتية اللوجستية، من خلال تحسين شبكات النقل والتخزين وإنشاء مخازن حديثة وربط مناطق الإنتاج بالمطاحن والموانئ ومراكز التحويل. هذه الإجراءات من شأنها تقليل الخسائر بعد الحصاد والحفاظ على جودة المنتجات، ما يجعل الجزائر قادرة على تعزيز اكتفائها الذاتي وتوسيع صادراتها الزراعية في المستقبل القريب.

كما أن المشاريع الصناعية والمنجمية الكبرى التي أطلقتها الدولة ستُحدث تأثيراً مضاعفاً على باقي القطاعات، من خلال خلق نسيج اقتصادي متكامل يربط بين الزراعة، الصناعة التحويلية، والطاقة النظيفة. هذا التكامل يُعتبر أحد مفاتيح التنمية الحديثة، لأنه يعزز الإنتاج الوطني ويخلق فرص عمل نوعية ويساهم في رفع الدخل القومي.

في الوقت ذاته، يواصل القطاع المالي والمصرفي إصلاحاته التدريجية لدعم الاستثمار، عبر رقمنة المعاملات، وتبسيط الإجراءات، وتحسين مناخ الأعمال، بما يشجع على جذب رؤوس الأموال المحلية والأجنبية. أما في الجانب النقدي، فإن استقرار الدينار والتحكم في التضخم ساهما في تعزيز ثقة المستثمرين والمستهلكين على حد سواء، وهو ما انعكس إيجاباً على مؤشرات النمو والاستهلاك الداخلي.

إن القراءة العامة لمشروع قانون المالية لسنة 2026 تكشف عن خطة تنموية متكاملة تهدف إلى تحقيق التوازن بين النمو الاقتصادي والاستقرار الاجتماعي، من خلال توزيع عادل للثروة، وتحسين القدرة الشرائية للمواطن، وتوسيع قاعدة الإنتاج الوطني. كما أن تركيز الحكومة على الاستثمار في البنية التحتية والتكنولوجيا الحديثة والطاقة المتجددة يعكس وعياً متزايداً بأهمية الاقتصاد الأخضر والمستدام في بناء مستقبل أكثر استقراراً وازدهاراً.

وفي المحصلة، يُمكن القول إن الجزائر تسير بخطى ثابتة نحو تحقيق نهضة اقتصادية حقيقية بفضل رؤية واضحة وإرادة سياسية قوية وإصلاحات جريئة بدأت تؤتي ثمارها تدريجياً. ومع استمرار تنفيذ المشاريع الكبرى وتطوير القطاعات المنتجة، فإن آفاق الاقتصاد الوطني تبدو واعدة، ليس فقط في تعزيز النمو، بل في بناء اقتصاد متنوع قادر على المنافسة إقليمياً ودولياً. مشروع قانون المالية لسنة 2026، بما يتضمنه من أهداف واقعية وطموحة، يؤكد أن الجزائر تدخل مرحلة جديدة عنوانها الاستقرار، الإنتاج، والتنمية المستدامة.


اكتشاف المزيد من المؤشر

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

اترك تعليق

‫شاهد أيضًا‬

تفكيك شبكة لتبييض الأموال والاحتيال الضريبي بالعاصمة

نجحت مصالح الأمن في تفكيك شبكة إجرامية خطيرة متورطة في عمليات تبييض أموال واحتيال ضريبي با…