‫الرئيسية‬ في الواجهة اقتصاد المدرسة العليا الجزائرية للأعمال… حيث تُصنع الكفاءات ويُرسم اقتصاد المستقبل
اقتصاد - اقتصاد المعرفة - الأولى - ‫‫‫‏‫يومين مضت‬

المدرسة العليا الجزائرية للأعمال… حيث تُصنع الكفاءات ويُرسم اقتصاد المستقبل

المدرسة العليا الجزائرية للأعمال… حيث تُصنع الكفاءات ويُرسم اقتصاد المستقبل
أطلقت الجزائر المدرسة العليا للأعمال كصرح أكاديمي يحمل رؤية جديدة لتكوين النخب الاقتصادية والإدارية، ويُجسّد تحولًا نوعيًا في فلسفة التعليم العالي الموجه نحو خدمة الاقتصاد الوطني. ومنذ بداية نشاطها، أصبحت المدرسة العليا الجزائرية للأعمال — المعروفة اختصارًا بـ ESAA — أحد أبرز مراكز التكوين في شمال إفريقيا، وواجهةً حديثة لتعليم إدارة الأعمال والتسيير على الطريقة العالمية، ولكن بروح جزائرية خالصة.

تعمل المدرسة في قلب الجزائر العاصمة، في حي “بين البحور” بالمحمدية، داخل حرم جامعي حديث التصميم، يمتد على مساحة واسعة تضم سبعة مدرجات دراسية تتسع لأكثر من 80 طالبًا في كل قاعة، ومدرجًا رئيسيًا يتسع لـ 288 مقعدًا مخصصًا للمؤتمرات الكبرى والندوات الدولية. إلى جانب ذلك، تحتوي المدرسة على مكتبة أكاديمية متكاملة، ومخابر للبحث، وقاعات وسائط رقمية مجهزة بالكامل، ومركز استقبال للطلبة والأساتذة الزائرين، وموقف سيارات واسع، ومرافق ترفيهية وثقافية ورياضية تعكس فلسفتها القائمة على تكوين متكامل يجمع بين العلم والحياة.

ترتكز المدرسة في عملها على مبادئ الجودة والتميز، وقد حصلت سنة 2023 على شهادة الاعتماد الدولية “إيزو 9001” في نسختها لعام 2015، وهو ما يعكس التزامها بتطبيق المعايير العالمية في التسيير والتكوين الأكاديمي. وتعدّ المدرسة مؤسسة حكومية عمومية تابعة لوزارة التعليم العالي والبحث العلمي، ولكنها تسير وفق منطق المؤسسات المستقلة، بمنهج إداري حديث يعتمد على الحوكمة، الكفاءة، والتقييم المستمر للأداء.

تعتمد المدرسة نموذجًا تربويًا يزاوج بين التعليم الأكاديمي النظري والتطبيق العملي الميداني، إذ يُطلب من الطلبة تنفيذ مشاريع داخل مؤسسات اقتصادية حقيقية، سواء في القطاع العام أو الخاص، بالتوازي مع دراستهم. وتقدَّم الدروس بثلاث لغات هي العربية، الفرنسية، والإنجليزية، لضمان قدرة الطلبة على التعامل مع بيئات العمل متعددة اللغات والثقافات. وتغطي البرامج الأكاديمية جميع تخصصات علوم التسيير الحديثة: الإدارة، التسويق، المالية، المحاسبة، إدارة المشاريع، الموارد البشرية، وسلسلة الإمداد.

ويُعتبر البرنامج الأكثر شهرة في المدرسة هو “الماجستير التنفيذي في إدارة الأعمال”، الموجه للإطارات العليا والمديرين التنفيذيين الراغبين في تطوير مهاراتهم الاستراتيجية، والذي يُنظَّم بالتعاون مع مدرسة “أودنسيا للأعمال” الفرنسية، إحدى أبرز كليات إدارة الأعمال في أوروبا. يمتد هذا البرنامج على مدى 18 شهرًا، ويتضمن 520 ساعة من التكوين المتقدم، يجمع بين المحاضرات، ورشات العمل، والدراسة التطبيقية لحالات واقعية في الاقتصاد الجزائري. هذا التكوين يهدف إلى إعداد قيادات تنفيذية قادرة على اتخاذ القرار، إدارة التحول، واستشراف الأسواق الجديدة.

أما على مستوى الشهادات الجامعية، فتُقدِّم المدرسة برنامج الليسانس في علوم التسيير، الذي يتيح للطلبة الحصول على شهادة مزدوجة معترف بها من جامعة ليل الفرنسية. وبعد التخرج، يُفتح أمام الطلبة مسار الماستر في تخصصات متعددة، من أبرزها: المحاسبة والمراجعة، إدارة الأعمال، المالية وإدارة الخزينة، التسويق والتجارة الدولية، إدارة المشاريع، وتسيير المؤسسات العمومية. هذا النظام المزدوج، الذي يجمع بين المعيار الأوروبي والمعيار الجزائري، يجعل من خريجي المدرسة الأعلى طلبًا في السوق الوطنية والدولية.

ولا تقتصر مهمة المدرسة على التكوين فقط، بل تمتد إلى البحث العلمي والمرافقة الاقتصادية. فهي تحتضن مراكز بحث متخصصة في الاقتصاد الرقمي، التحول الطاقوي، الإدارة المستدامة، والمقاولاتية، وتشارك بانتظام في الندوات الوطنية حول مستقبل الاقتصاد الجزائري. كما تنظم مؤتمرات بالشراكة مع هيئات اقتصادية وطنية مثل المجلس الوطني للاستثمار، والبورصة الجزائرية، والغرف التجارية، بهدف إشراك الطلبة في النقاش الاقتصادي الفعلي.

كما تنشط المدرسة في مجال المسؤولية الاجتماعية والمؤسساتية، عبر برنامجها “المدرسة المسؤولة” الذي يهدف إلى نشر ثقافة التنمية المستدامة وترسيخ القيم الأخلاقية في الإدارة. وقد تبنت مؤخرًا سياسة “التحول الأخضر”، من خلال خفض استهلاك الورق، وترشيد الطاقة داخل الحرم الجامعي، وتنظيم أيام تطوعية للتشجير والنظافة، في مبادرة تحمل اسم “يوم المدرسة الخضراء”. كما أطلقت مبادرة “الفن في المدرسة” لتشجيع الإبداع الثقافي لدى الطلبة، ومبادرة “الرياضة والرفاه” التي تعنى بالصحة النفسية والجسدية داخل الفضاء الأكاديمي.

من جهة أخرى، تنتمي المدرسة إلى شبكات جامعية دولية مرموقة، مثل الوكالة الجامعية للفرنكوفونية، والاتحاد الأوروبي لإدارة الأعمال (EFMD)، كما تُصنف ضمن تصنيف “إيديونيفرسال” العالمي بثلاث نجمات من فئة “المدارس الممتازة ذات التأثير الإقليمي”. هذا التصنيف جعلها من بين أفضل مؤسسات التعليم الإداري في إفريقيا، وفتح أمامها آفاقًا أوسع للتعاون الأكاديمي مع مدارس إدارة الأعمال في أوروبا وآسيا.

نجاح المدرسة لم يأتِ مصادفة، بل هو ثمرة سياسة دقيقة في اختيار الطلبة، إذ يُقبل المترشحون بعد اجتياز اختبارين أساسيين: الأول لقياس القدرات المنطقية والتحليلية، والثاني في اللغات، يعقبه حوار شفوي أمام لجنة تقييم. ويُعرف أن معدلات القبول في ESAA هي من الأعلى وطنيًا، ما يعكس مكانتها النخبوية التي تراهن على النوعية لا العدد.

اليوم، أصبحت المدرسة العليا الجزائرية للأعمال رمزًا للتحول في مفهوم التعليم العالي بالجزائر، إذ لم تعد الجامعة مكانًا لتلقين المعارف فحسب، بل مختبرًا لتصميم الحلول الاقتصادية وبناء الكفاءات القادرة على قيادة المؤسسات والتفكير الاستراتيجي. فهي تصنع مدراء لا إداريين فقط، ومبادرين لا موظفين، وتغرس في خريجيها قيم القيادة، الابتكار، والمسؤولية.

إن المدرسة العليا الجزائرية للأعمال تمثل اليوم أحد أذرع الجزائر في سعيها لبناء اقتصاد معرفة تنافسي، يقوم على العقول قبل الموارد، وعلى الكفاءة قبل السلطة. ففي قاعاتها تتشكل ملامح جيل اقتصادي جديد، يفكر بعقل عالمي، ويعمل بقلب وطني، ويؤمن بأن التنمية ليست مجرد خطط حكومية، بل منظومة فكرية تبدأ من التعليم. تلك هي روح ESAA، المدرسة التي لا تُخرّج طلبة فحسب، بل تُخرّج صُنّاع تغيير.


اكتشاف المزيد من المؤشر

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

اترك تعليق

‫شاهد أيضًا‬

العدالة تلاحق “خفافيش الإشهار”.. التماس 10 سنوات حبسًا في قضية “أناب2”

اهتزّت قاعة محكمة القطب الجزائي الاقتصادي والمالي بسيدي أمحمد بالعاصمة الجزائرية، في ليلة …