‫الرئيسية‬ الأولى الصين تتحدى أمريكا عسكريًا… من القوة الصامتة إلى الحضور الميداني
الأولى - الدولي - مقالات - ‫‫‫‏‫يوم واحد مضت‬

الصين تتحدى أمريكا عسكريًا… من القوة الصامتة إلى الحضور الميداني

الصين تتحدى أمريكا عسكريًا… من القوة الصامتة إلى الحضور الميداني
لم يكن أحد قبل عقدٍ من الزمن يتخيّل أن تتحرك الصين يومًا ما عسكريًا خارج حدودها للدفاع عن مصالحها أو دعم حلفائها في مواجهة الولايات المتحدة الأمريكية، التي ظلت لعقود القوة العسكرية الأكبر في العالم. غير أن المشهد الدولي يشهد اليوم تحولات لافتة، تؤشر إلى أن بكين لم تعد تكتفي بالقوة الاقتصادية، بل بدأت تبني لنفسها مكانة عسكرية عالمية متنامية.

أولى الإشارات الواضحة لهذا التحول ظهرت سنة 2017، عندما أنشأت الصين أول قاعدة عسكرية خارج أراضيها في جيبوتي، على ضفاف البحر الأحمر، بهدف حماية سفنها التجارية وتأمين خطوط إمدادها البحرية التي تعبر مضيق باب المندب، أحد أهم الممرات الاستراتيجية في العالم. وجاء هذا التحرك ليؤكد أن الصين باتت تنظر إلى مصالحها بمنظار عالمي، يتجاوز حدودها الجغرافية التقليدية.

ومؤخرًا، تصاعدت مؤشرات هذا التوجه مع تحرك بحري صيني في المحيط الأطلسي قرب السواحل الفنزويلية، في خطوة وصفتها تقارير غربية بأنها “رسالة رمزية للولايات المتحدة”، التي تواصل تهديداتها ضد فنزويلا، أحد أبرز حلفاء بكين في أمريكا اللاتينية. وبينما لا تتحدث الصين رسميًا عن أي مواجهة مباشرة، فإنّ إرسالها قطعًا بحرية إلى منطقة تُعد “الحديقة الخلفية لواشنطن” يُظهر استعدادها للدفاع عن حلفائها ومصالحها حتى في مناطق النفوذ الأمريكي التقليدي.

هذه التحركات العسكرية ليست معزولة عن السياق الأوسع الذي تعيشه الصين منذ وصول الرئيس تشي جين بينغ إلى الحكم. فمنذ توليه الرئاسة، أطلق عملية تحديث شاملة لجيش التحرير الشعبي الصيني، ركّزت على تطوير القوات الجوية والبحرية وتعزيز قدرات الردع الاستراتيجي. وتشير تقارير دفاعية إلى أن الصين أصبحت تمتلك ثاني أكبر ميزانية دفاع في العالم بعد الولايات المتحدة، وأنها تبني جيشًا حديثًا قادرًا على العمل خارج حدودها عند الحاجة.

في السنوات الأخيرة، أطلقت بكين مشاريع لتحديث أسطولها البحري، فأدخلت سفن هجومية برمائية حديثة وحاملات طائرات جديدة، بعضها صُمّم محليًا بالكامل. ويُعتقد أن الصين تسعى إلى امتلاك قوة بحرية زرقاء المياه (Blue-water navy) قادرة على حماية مصالحها التجارية والعسكرية في المحيطين الهادئ والهندي وما وراءهما. أما في مجال الطيران العسكري، فقد طورت الصين طائرات مقاتلة من الجيل الخامس مثل “J-20” و**”FC-31″**، ما جعلها من بين الدول القليلة القادرة على إنتاج طائرات شبحية محلية الصنع.

ويرى محللون أن الصين تسعى من خلال هذا التطوير العسكري الهائل إلى تحقيق توازن استراتيجي مع واشنطن، خاصة في منطقة المحيط الهادئ، حيث تشتد الخلافات حول تايوان، التي تعتبرها بكين جزءًا لا يتجزأ من أراضيها. ومع ذلك، تؤكد الصين في خطابها الرسمي أن هدفها ليس خوض الحروب، بل “الدفاع عن سيادتها وردع الاستفزازات”، مشيرة إلى أن وجودها البحري في مناطق بعيدة “يخدم الاستقرار العالمي ويؤمّن التجارة الدولية”.

ويرى المراقبون أن ما يحدث اليوم يوازي ما حدث قبل عقود في المجال الاقتصادي، حين صعدت الصين من دولة نامية إلى قوة اقتصادية عظمى خلال نصف قرن فقط. فكما انتقلت من “مصنع العالم” إلى المنافس الأول لأمريكا في التكنولوجيا والتجارة، يبدو أنها الآن تعيد رسم موازين القوة العسكرية بوتيرة مدروسة وثابتة.

ومهما اختلفت التقديرات، فإن المؤكد هو أن الصين لم تعد تلك القوة الصامتة التي تكتفي بالمراقبة من بعيد، بل أصبحت فاعلًا أساسيًا في التوازنات الدولية، تمتلك قرارها وتفرض حضورها في الملفات الاستراتيجية. لقد نجحت قيادة الحزب الشيوعي الصيني في الجمع بين القوة الاقتصادية والانضباط السياسي والنهضة العسكرية، لترسم ملامح مرحلة جديدة من النظام الدولي، حيث لم تعد واشنطن اللاعب الوحيد، بل شريكًا مضطرًا للتعامل مع واقع جديد عنوانه: العالم لم يعد أمريكيًا خالصًا… فهناك الآن قوة تُدعى الصين.


اكتشاف المزيد من المؤشر

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

اترك تعليق

‫شاهد أيضًا‬

من الانقسام إلى الإبادة… كيف خدمت حركة حماس المشروع الصهيوني؟

تتكرر محاولات لتسويق ما جرى في غزة على أنه «انتصار للمقاومة» بقيادة حركة حماس، رغم أن الوا…