‫الرئيسية‬ الأولى “لم تكن مجرد وعكة”… رواية تُشخّص وجع المجتمع قبل وجع الجسد
الأولى - فنون وثقافة - ‫‫‫‏‫14 ساعة مضت‬

“لم تكن مجرد وعكة”… رواية تُشخّص وجع المجتمع قبل وجع الجسد

"لم تكن مجرد وعكة"... رواية جزائرية تُشخّص وجع المجتمع قبل وجع الجسد
صدر مؤخرًا عن دار رسائل للنشر والتوزيع العمل الروائي الجديد للكاتب الجزائري حليم لوعيلش بعنوان “لم تكن مجرد وعكة” (2025). الرواية، المصنّفة ضمن الأدب الواقعي الاجتماعي، تمثل عودة قوية للكاتب الذي اشتهر بأعماله ذات الطابع الإنساني والتحليل النفسي العميق، لتفتح هذه المرة نافذةً مؤثرة على عالم المدرسة الجزائرية، بما تحمله من رموزٍ وأوجاعٍ وقيمٍ متآكلة.

تبدأ الرواية من مدرسة متواضعة في مدينة صغيرة، حيث تعيش أستاذة مرهقة من عناء الأيام وضغط الحياة، تظن أن ما تمر به مجرد تعب عابر أو إرهاق مؤقت، لكن الأحداث تكشف أن ما أصابها يتجاوز حدود الجسد إلى عمق الروح. تدخل المستشفى وهي تظن أنها في طريق الشفاء، لكنها تجد نفسها أمام رحلة من التأمل والمراجعة الذاتية، حيث يختلط فيها المرض بالخوف والذكريات بالأمل، لتبدأ مواجهة الحقيقة التي طالما تجاهلتها.

في خضم هذه التجربة، يظهر زميلها القديم الأستاذ حكيم الذي يعود إلى حياتها دون أن يعلم أنه يوقظ في داخلها مشاعر دفنتها لسنوات. يرعاها بصمت وصدق، فيما تخفي هي خلف نظراتها حبًا مؤجلًا لم يُكتب له أن يقال. من خلال هذه العلاقة الإنسانية، يفتح الكاتب نافذة على أسئلة مؤلمة حول الحياة والقدر والحب الذي يأتي متأخرًا، فيطرح تساؤلات عن الشفاء والمعنى والفرصة الأخيرة قبل فوات الأوان.

الرواية لا تكتفي بسرد قصة إنسانية، بل تقدم تشخيصًا رمزيًا لواقع المجتمع، حيث تتحول “الوعكة” إلى استعارة عن خلل أعمق يمس القيم والعلاقات الإنسانية. فالمدرسة التي يُفترض أن تكون منارة للتربية والمعرفة تتحول إلى مرآة تعكس الفوضى واللامبالاة والأنانية التي تتسلل إلى كل مستويات الحياة العامة. بهذا المعنى، تصبح الرواية شهادة أدبية عن واقع ينهار بصمت، وصوتًا يذكّر بأن ما نغفل عنه اليوم قد يتحول غدًا إلى مرضٍ يصعب علاجه.

الكاتب يعتمد في سرده على لغة أدبية قوية تمزج بين العاطفة والفكر، بين البساطة والعمق، فيجعل القارئ يعيش تفاصيل الأحداث كأنه جزء منها. لا يسرد لوعيلش الحكاية من الخارج، بل يدخل أعماق النفس البشرية، فيكشف تناقضاتها وضعفها وشوقها للحياة رغم الألم. فـ”لم تكن مجرد وعكة” ليست رواية عن المرض، بل عن الوعي، عن الإنسان حين يكتشف ذاته من خلال لحظة ضعف، وحين يتعلم أن الألم قد يكون الطريق الوحيد إلى الحقيقة.

وُلد الكاتب حليم لوعيلش سنة 1987 ببلدية ماوكلان في ولاية سطيف، وتخرّج من جامعة فرحات عباس سنة 2010 في تخصص الكيمياء الحيوية. بدأ مسيرته الأدبية سنة 2009 وكتب في أجناس مختلفة، لكنه عُرف برواياته التي تجمع بين الواقعية والنقد الاجتماعي. من أبرز أعماله “العائد” الصادرة سنة 2015، و”غير لجبال لي ما يتلاقاوش” سنة 2017، و”غدر الضباع” سنة 2021.

يمتاز الكاتب بأسلوب يجمع بين التحليل النفسي واللغة الأدبية الرفيعة، مع قدرة على تحويل التفاصيل اليومية البسيطة إلى مواقف إنسانية عميقة. ويُعد من الأسماء الأدبية الصاعدة في المشهد الثقافي الجزائري، لما يحمله من نَفَس صادق ورؤية واقعية متوازنة.

رواية “لم تكن مجرد وعكة” تعد من أبرز الإصدارات الأدبية الجزائرية لعام 2025، إذ تفتح نقاشًا حول الإنسان والتعليم والحياة، وتؤكد أن الألم ليس نهاية الطريق بل بدايته، وأن الضعف حين يُواجه بالصدق يمكن أن يتحول إلى شجاعة.

مبروك للكاتب هذا الإصدار الجديد ضمن عائلة رسائل الأدبية، مع التمنيات له بمزيد من النجاح والإبداع.


اكتشاف المزيد من المؤشر

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

اترك تعليق

‫شاهد أيضًا‬

المدرسة العليا الجزائرية للأعمال… حيث تُصنع الكفاءات ويُرسم اقتصاد المستقبل

أطلقت الجزائر المدرسة العليا للأعمال كصرح أكاديمي يحمل رؤية جديدة لتكوين النخب الاقتصادية …