“قفر الدم”.. حين يتحول صمت المرأة إلى صرخة
صدر عن دار أدليس للنشر والتوزيع العمل الروائي الجديد للكاتبة الجزائرية خولة يعقوب بعنوان “قفر الدم”، وهو عملها الأول الذي يضعها مباشرة في صدارة الأصوات الأدبية الشابة في الجزائر، لما يحمله من جرأة في الطرح وصدق في التعبير. الرواية تغوص في المناطق المسكوت عنها في المجتمع الجزائري، وتتناول الوجع الأنثوي من زاوية إنسانية عميقة، حيث يتحول الصمت فيها إلى لغة، والدم إلى حبرٍ تكتب به المرأة حكايتها.
في أعماق الريف، حيث القسوة تطبع ملامح الحياة وتخنقها التقاليد، تولد حكاية “قفر الدم”. هناك، في عالمٍ تحكمه الأعراف، وتفتك به الخيانة، وتغزوه الفوارق الاجتماعية، تنبض قلوب تبحث عن الحب والخلاص، لكنها تصطدم بأسوارٍ من الخوف والأسرار الثقيلة. الرواية تسرد مسار فطيمة، امرأة تنحدر من بيئة بسيطة، تحلم بالحرية وبحياةٍ مختلفة، لكنها تقع في فخّ رجلٍ يستغل ضعفها باسم الزواج، فتجد نفسها أسيرة دوامة من الخيبة والعنف النفسي والاجتماعي. غير أن الكاتبة لا تكتفي بسرد المأساة، بل تفتح عبرها بابًا للتأمل في واقعٍ أوسع، حيث تتقاطع المصائر، وتتكرر الحكايات بصيغٍ مختلفة.
اللغة التي تكتب بها خولة يعقوب تنبض بالصدق والعاطفة، تجمع بين البساطة والعمق، وتقترب من القارئ دون تكلف. في سردها لا تبحث عن البطولة النسوية المصطنعة، ولا ترفع شعارات، بل تصغي إلى الوجع الإنساني في صمته، وتترك التجربة تتحدث عن نفسها. فالرواية ليست فقط عن الألم، بل عن الوعي، وعي المرأة بذاتها، وبحقها في أن تُروى قصتها كما هي.
رغم قتامتها، تحتفظ الرواية بخيطٍ رفيع من الأمل، وكأن الكاتبة تريد أن تقول إن الألم لا يُميت، بل يولّد القوة. فحتى في أحلك اللحظات، يبقى في القلب متّسع للضوء، وفي الصمت مساحة لبداية جديدة. إن “قفر الدم” ليست مجرد رواية عن المعاناة، بل عن قدرة الإنسان على النجاة، وعن الحلم الذي لا ينطفئ مهما اشتد الظلام.
خولة يعقوب، المولودة في ولاية المدية سنة 1999، متحصلة على شهادة ماستر في علم الأحياء الدقيقة التطبيقية، وتعمل في مجال تخصصها كمخبرية. وجدت منذ طفولتها في الكتابة وسيلتها للتعبير عن ذاتها، لتبدأ مسارها الأدبي من النثر إلى الرواية. من أعمالها السابقة كتاب “من الصفر إلى الواحد”، أما “قفر الدم” فتمثل انتقالها من التأمل الفردي إلى الفعل السردي الكامل، حيث تمزج بين التجربة الحياتية والتخييل الفني في نصٍ صادقٍ ومؤلمٍ في آنٍ واحد.
بأسلوبها الإنساني العميق، تثبت خولة يعقوب أن الأدب ليس ترفًا، بل حاجة للبقاء والتعبير، وأن الكلمة حين تخرج من الجرح تصبح قادرة على التغيير. “قفر الدم” رواية عن النساء اللواتي لا يُسمع صوتهن، وعن الصمت الذي يتحول إلى صرخة، وعن الوطن الذي يتشكل من تفاصيل صغيرة من الألم والحب والكرامة. إنها رواية تُقرأ بالقلب قبل العقل، وتترك في النفس أثرًا يشبه الخفقة الأولى بين الخوف والأمل.
اكتشاف المزيد من المؤشر
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
رانية سلامي… الكلمة شفاء والصوت رسالة تُوقظ الأمل
صدر عن دار تحفة للنشر كتاب جديد للكاتبة الجزائرية رانية سلامي بعنوان “جرعات إيجابية&…