‫الرئيسية‬ الأولى الولايات المتحدة تتحرك لإنهاء القطيعة بين الجزائر والمغرب خلال 60 يوماً
الأولى - الوطني - ‫‫‫‏‫أسبوعين مضت‬

الولايات المتحدة تتحرك لإنهاء القطيعة بين الجزائر والمغرب خلال 60 يوماً

الولايات المتحدة تتحرك لإنهاء القطيعة بين الجزائر والمغرب خلال 60 يوماً
أعلن المبعوث الأمريكي الخاص، ستيف ويتكوف، أن واشنطن تعمل على التوصل إلى اتفاق شامل بين الجزائر والمغرب خلال فترة لا تتجاوز ستين يوماً، في إطار مبادرة دبلوماسية جديدة تهدف إلى رأب الصدع بين البلدين وإعادة العلاقات إلى مسارها الطبيعي، بما يخدم استقرار شمال إفريقيا ومنطقة الساحل.

وفي مقابلة مع شبكة CBS News الأمريكية، أوضح ويتكوف أن الفريق الدبلوماسي الأمريكي يتحرك بجدية لمعالجة الخلافات الجوهرية بين الجارتين، مؤكداً أن استقرار شمال إفريقيا لن يتحقق إلا من خلال تفاهم مباشر بين الجزائر والرباط، في ظل التحديات الأمنية والاقتصادية المتصاعدة التي تشهدها المنطقة.

ويأتي هذا التحرك الأمريكي بعد سلسلة من المشاورات الدبلوماسية الرفيعة التي قادها مسعد بولس، مستشار الرئيس الأمريكي لشؤون الشرق الأوسط وإفريقيا، والذي أكد في تصريحات لوسائل إعلام عربية أن الجزائر أبدت استعداداً حقيقياً لتحسين العلاقات مع المغرب والعمل على إيجاد حل عادل ومتوافق عليه لقضية الصحراء الغربية في إطار الشرعية الدولية. وأوضح بولس أن واشنطن “تشعر بتفاؤل كبير تجاه المناخ الجديد الذي بدأ يتشكل في المنطقة، خصوصاً مع رسائل التهدئة المتبادلة في الأسابيع الأخيرة.”

وأضاف بولس أن الجزائر ترحب بإعادة بناء جسور الثقة مع الشعب المغربي والقيادة المغربية، إدراكاً منها بأن البلدين شعبان شقيقان تجمعهما روابط التاريخ والدين واللغة والمصير المشترك، مؤكداً أن الولايات المتحدة ترى في هذا التقارب “فرصة استراتيجية لإرساء السلام والتنمية في شمال إفريقيا ومنطقة الساحل”.

أما الجزائر، فموقفها كان واضحاً وحاسماً كما عبّر عنه رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون في خطابه أمام قادة الجيش الوطني الشعبي يوم 12 أكتوبر 2025، حيث قال: “الجزائر ليست طرفاً في النزاع حول الصحراء الغربية، ولن تكون صحراوية أكثر من الصحراويين أنفسهم. نحن مع الحل الذي يختاره الصحراويون لأنفسهم، ولن نفرض عليهم ما لا يريدونه، ولن نقبل أن يُفرض عليهم ما يرفضونه.”

وأضاف الرئيس تبون أن الخلاف بين الجزائر والمغرب ليس بسبب الصحراء الغربية، بل هو أعمق من ذلك وله جذور تاريخية معروفة، موضحاً أن “الحدود بين البلدين ظلت مغلقة لأكثر من 45 سنة من أصل 63 سنة من الاستقلال، ما يؤكد أن القضية الصحراوية ليست سبب القطيعة وإنما ذريعة تُستعمل لتغطية مشاكل أخرى”.

وشدّد الرئيس الجزائري على أن بلاده تمد يدها دائماً للحوار الصادق، شرط أن يكون مبنياً على الاحترام المتبادل وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، مؤكداً أن الجزائر لا تسعى إلى التصعيد بل إلى الاستقرار الإقليمي القائم على العدالة واحترام السيادة الوطنية.

وعلى الجانب الأمريكي، تسعى إدارة الرئيس دونالد ترامب – التي عادت إلى البيت الأبيض مطلع عام 2025 – إلى إعادة ترتيب الملفات الإقليمية وفق رؤية “الاستقرار مقابل التعاون”، بعد أن تبنت إدارة بايدن السابقة مقاربة حذرة تجاه المنطقة. ففي حين كان ترامب قد اعترف، في العاشر من ديسمبر 2020، بـ”سيادة” المغرب على الصحراء الغربية مقابل اتفاق تطبيع مع الكيان الصهيوني، يبدو أن الإدارة الحالية تعمل على إعادة صياغة هذا الموقف دون التراجع الرسمي عنه، عبر تبنّي نهج أكثر توازناً يقوم على دعم جهود الأمم المتحدة للوصول إلى حل سياسي دائم يضمن حق الشعب الصحراوي في تقرير مصيره ويُبقي على علاقات استراتيجية متوازنة مع كل من الجزائر والمغرب.

وتُدرك واشنطن أن تجاوز القطيعة بين الجارتين لن يكون ممكناً إلا عبر وساطة بناءة تراعي التوازنات الإقليمية والدور المحوري للجزائر التي أصبحت رقماً صعباً في المعادلة الإقليمية بفضل سياستها الخارجية المستقلة ومكانتها الأمنية في إفريقيا والساحل. فالجزائر تُعد اليوم ركيزة أساسية للاستقرار في المنطقة من خلال مساهماتها في مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة ودعم الحوار السياسي في ليبيا ومالي والنيجر.

وفي هذا السياق، أكد محللون أن المبادرة الأمريكية الجديدة لا يمكن أن تنجح دون إشراك الجزائر كطرف فاعل في أي تسوية إقليمية، مشيرين إلى أن “الجزائر لا تبحث عن دور استعراضي بل عن استقرار دائم يحفظ سيادة الدول ووحدة أراضيها”.

كما أن الجزائر، في مواقفها الأخيرة، قدمت نموذجاً في التوازن والاتزان، فهي ترفض التدخلات الأجنبية لكنها لا تعارض الحوار البناء. وهي الدولة التي نادت مراراً بضرورة حل النزاعات في إفريقيا بين الأشقاء الأفارقة أنفسهم بعيداً عن الإملاءات الخارجية، وهو المبدأ الذي كرّسه الرئيس تبون في كل المحافل الدولية.

ومع اقتراب موعد اجتماع مجلس الأمن الدولي لمناقشة تجديد ولاية بعثة مينورسو، تتجه الأنظار إلى مخرجات الحراك الدبلوماسي الأمريكي ومدى استجابته لمتطلبات المنطقة. فالجزائر، رغم تمسكها بمبدأ تقرير المصير، تؤكد استعدادها الدائم للتعاون في كل ما يخدم السلم والأمن الدوليين، شريطة أن يكون الحوار على أساس الندية والاحترام الكامل للسيادة الوطنية.

تبقى الجزائر صوت العقل في شمال إفريقيا، متمسكة بمبادئها الثابتة الرافضة لأي تسويات ظرفية أو حلول مفروضة. وكما قال الرئيس تبون: “الجزائر كانت وستبقى تدافع عن القضايا العادلة في العالم، لأنها لا تبيع مبادئها ولا تتخلى عن إيمانها بحق الشعوب في الحرية والسيادة.” وبينما تتحرك واشنطن لإنعاش مسار التهدئة المغاربي، يدرك الجميع أن مفتاح الحل لا يمكن أن يُدار إلا من الجزائر، الدولة التي جمعت بين الحكمة والواقعية، وبين القوة في الموقف والالتزام بمبادئ القانون الدولي.


اكتشاف المزيد من المؤشر

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

اترك تعليق

‫شاهد أيضًا‬

الجزائر تبدي استياءها من تحويل باريس لاتفاقيات 1968 إلى ورقة انتخابية

أعرب وزير الشؤون الخارجية أحمد عطاف عن استياء الجزائر من تصويت البرلمان الفرنسي ضد اتفاقيا…