‫الرئيسية‬ الأولى فتح الحدود.. قرار جزائري سيادي لا يُملى من الخارج
الأولى - الوطني - مقالات - ‫‫‫‏‫أسبوع واحد مضت‬

فتح الحدود.. قرار جزائري سيادي لا يُملى من الخارج

فتح الحدود.. قرار جزائري سيادي لا يُملى من الخارج
بمجرد أن تناقلت بعض وسائل الإعلام تصريحات نُسبت إلى ستيف ويتكوف (Steve Witkoff)، رجل الأعمال والمبعوث الأمريكي الخاص إلى الشرق الأوسط في إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، تحدث فيها عن احتمال مبادرة سلام تقودها واشنطن بين الجزائر والمروك خلال 60 يومًا، حتى بدأ الصراخ من الجهة الغربية للحدود الجزائرية، مطالبين بفتحها دون أدنى مراعاة لحقيقة أن فتح أو غلق الحدود مسألة سيادية خالصة، لا يمكن لأي دولة في العالم، مهما كانت قوتها، أن تتدخل فيها أو تملي شروطها على الجزائر.

الغريب أن من يطالب اليوم بفتح الحدود من المروك، هم أنفسهم الذين لا يتوقفون عن شتم الجزائر ليلًا ونهارًا، ويتحدثون بسخرية عن اقتصادها ويصفونها بالدولة الضعيفة، بينما يصورون المروك على أنه “سويسرا الغرب”. فإذا كانوا يعتقدون فعلًا أن الجزائر دولة على وشك السقوط، فلماذا يتوسلون اليوم لفتح الحدود معها؟ التناقض هنا واضح، والدوافع الاقتصادية أكثر من ظاهرة، لأن الجزائر تملك سوقًا حيوية واقتصادًا قويًا قائمًا على الدعم الاجتماعي، في حين يعاني المروك من أزمات مالية متراكمة وديون خارجية ضخمة وتراجع في القدرة الشرائية.

كيف يمكن الحديث عن فتح الحدود مع نظام لا يعترف أصلًا بحدود بلاده مع الجزائر، رغم أنه تم ترسيمها رسميًا في اتفاق سنة 1972، وهو اتفاق قانوني وموثق؟ وكيف يمكن الوثوق بمملكة لا تعترف حتى بحدودها مع موريتانيا، وتصرّ في المقابل على ضم الصحراء الغربية، في تحدٍ صارخ لقرارات الأمم المتحدة ومحكمة العدل الدولية التي أكدت عام 1975 عدم وجود أي روابط سيادة قانونية بين المروك والصحراء الغربية؟ بل إن الدولة التي يزعم المخزن أنه وريثها — دولة المرابطين — هي في الأصل دولة موريتانية شنقيطية وليست مروكية كما يروّج في خطابه الرسمي.

الجزائر دولة سيدة في قراراتها، وملف الحدود ليس مطروحًا للنقاش أو الوساطة. الجزائر لا تقبل بأي تدخل خارجي، كما أنها لا تتدخل في شؤون غيرها. فهي لم تطالب يومًا الولايات المتحدة بفتح حدودها مع المكسيك، رغم الأسوار العالية التي تبنيها لحماية أراضيها، ولم يجرؤ أحد في العالم على اعتبار ذلك “شأنًا دوليًا”. إذًا، لماذا يُراد للجزائر أن تتنازل عن سيادتها في ما هو حق سيادي بحت؟

أما “الوساطة الأمريكية” التي يتحدث عنها البعض، فهي بلا معنى إذا لم توافق عليها الجزائر رسميًا. فقد رفضت الجزائر في الماضي عدة مبادرات وساطة أمريكية وسعودية، منها تلك التي حملها المبعوث الأمريكي جيمس بيكر، مرفوقًا بشخصية سعودية نافذة كانت سفيرًا سابقًا للمملكة في واشنطن. وقد زار هذا الأخير الجزائر سرًا على متن طائرته الخاصة، واجتمع بمسؤولين جزائريين في جنان الميثاق لطرح خطة مشتركة بين واشنطن والرياض، لكن الجزائر رفضتها لأنها لم تكن منسجمة مع مبادئها ولا مع مصالحها الاستراتيجية.

الجزائر متمسكة بتطبيق القانون الدولي في قضية الصحراء الغربية، وتعتبرها قضية تصفية استعمار لا يمكن حلها إلا عبر استفتاء تقرير المصير. أما قضية الحدود مع المروك، فهي قضية سيادية لا تخضع لأي وساطة، أكانت من أمريكا أو من غيرها. الجزائر تعرف جيدًا مصالحها، وهي ترى في إبقاء الحدود مغلقة مصلحة أمنية واقتصادية عليا.

سكان المناطق الحدودية يدركون تمامًا حجم الخسائر التي كانت تتكبدها الجزائر سابقًا جراء تهريب المواد الغذائية والوقود المدعوم نحو الأراضي المروكية، وهي خسائر كانت تُقدّر بمليارات الدولارات سنويًا. أموال الشعب الجزائري وطاقاته الإنتاجية ليست لدعم اقتصاد المروك الذي يصف نفسه بـ“سويسرا الغرب”، بينما يوجّه مخابراته وجيشه الإلكتروني منذ سنوات لشن حملات عدائية ضد الجزائر ومحاولة ضرب استقرارها.

إن الجزائر ليست ضد التعاون ولا ضد حسن الجوار، لكنها ترفض النفاق السياسي ومحاولات الابتزاز الدبلوماسي. وفتح الحدود لن يكون إلا حين تتوافر الثقة المتبادلة والاحترام الكامل للسيادة الوطنية، لا عبر وساطات مفروضة ولا تصريحات عابرة. فالجزائر تقرر سياساتها وفق مصالحها العليا فقط، وستبقى وفية لمبدئها الثابت، لا وساطة في السيادة، ولا حدود تُفتح إلا بقرار جزائري سيادي.


اكتشاف المزيد من المؤشر

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

اترك تعليق

‫شاهد أيضًا‬

الحكم الذاتي… الانتحار المبرمج لـ”مملكة الليوطي”

شرح وزير الدولة ووزير الشؤون الخارجية أحمد عطاف، في لقاء متلفز، كل حيثيات قرار مجلس الأمن،…