فؤاد معالى… الرجل الذي يريد أن يزرع مليون شجرة ليعيد اخضرار الجزائر
في زمنٍ تزداد فيه التحديات البيئية وتشتد آثار التغير المناخي، تبرز من الجزائر مبادرة تحمل عنوان الأمل والمقاومة الخضراء. فؤاد معالى، الناشط البيئي الجزائري، يطلق هذا السبت 25 أكتوبر 2025 مشروعًا طموحًا غير مسبوق، زرع مليون شجرة في يوم واحد عبر كامل التراب الوطني، في تحدٍّ وطني واسع يُنتظر أن يشمل جميع ولايات البلاد الثماني والخمسين. المبادرة، التي تحمل طابعًا رمزيًا وإنسانيًا عميقًا، تهدف إلى إعادة زرع الحياة في أرض أنهكتها الحرائق والجفاف، وإلى ترسيخ ثقافة بيئية جديدة تقوم على الوعي والمسؤولية الجماعية.
ولأن لكل حلمٍ جذورًا، فإن حكاية فؤاد معالى تبدأ من جبال الأوراس، حيث تربى على حب الأرض منذ طفولته، فإن علاقته بالشجر تعود إلى سنوات الصبا عندما كان يرافق جدّته في إحدى المزارع الجبلية، يساعدها على سقي الأشجار المثمرة في مواجهة القحط والرياح. هذه التجربة الأولى، كما يصفها، كانت البذرة التي أنبتت مشروعه الكبير بعد عقود، حين أدرك أن غرس شجرة في أرض قاحلة هو فعل حب ومقاومة في آنٍ واحد.
من الأوراس انطلق الحلم، لكنه لم يبقَ حبيس الذكريات. فاليوم، يتحول إلى مبادرة وطنية ضخمة تقودها جمعيات مدنية أبرزها الجزائر الخضراء، التي يرتبط اسم فؤاد معالي بها بوصفه أحد منسقيها الميدانيين. المبادرة تحظى بدعمٍ رسمي من وزارة الفلاحة والتنمية الريفية والمديرية العامة للغابات، وتشكل خطوة نوعية في سياسة التشجير التي تتبناها الدولة لمواجهة ظواهر التصحر والانجراف، فإن العملية ستمتد على كامل ولايات البلاد، بمشاركة آلاف المتطوعين من الشباب، وطلبة الجامعات، وجمعيات محلية تعمل على الأرض لتنسيق عمليات الغرس والمتابعة.
الهدف من هذه العملية يتجاوز مجرد زرع الأشجار إلى إعادة بناء علاقة المواطن الجزائري مع بيئته. فبعد الحرائق المدمرة التي شهدتها عدة ولايات خلال السنوات الماضية، أصبح موضوع حماية الغابات وإعادة تشجيرها قضية وطنية. ولذلك، جاءت مبادرة فؤاد معالي في توقيتٍ دقيق، حين بدأ الوعي البيئي يتبلور كمكوّنٍ من الوعي الوطني. فهي تحدٍّ وطني بامتياز يعيد الاعتبار للطبيعة الجزائرية التي طالها النسيان”.
وفي تفاصيل المشروع، سيتم تنظيم حملات غرس متزامنة في مختلف الولايات، على أن تشمل العملية أنواعًا محلية مقاومة للجفاف وملائمة للمناخ الجزائري، مثل الصنوبر الحلبي، والطلح، والخروب، وبعض الأشجار المثمرة التي تساعد على تثبيت التربة. وقد وضعت المديرية العامة للغابات خطة لوجستية لمتابعة الغرس وتوفير الشتلات وضمان العناية اللاحقة بها، منعًا لأن تكون الحملة رمزية فقط.
يعتبر فؤاد معالى أن زرع مليون شجرة في يوم واحد ليس مجرّد رقمٍ دعائي، بل رسالة جماعية موجهة إلى كل الجزائريين، بأن البيئة مسؤولية الجميع، وأن حماية الأرض لا تتطلب قرارات فوقية بقدر ما تحتاج إلى فعلٍ يومي على الأرض. هذا التوجه يجد صداه في مبادرات شبابية متزايدة في البلاد، ما يعكس تحوّلًا تدريجيًا في الوعي البيئي الوطني.
وتبرز أهمية المشروع أيضًا في بعده الاقتصادي والبيئي المترابط، إذ تسعى السلطات الجزائرية من خلال دعمها لهذه المبادرات إلى محاربة التصحر الذي يهدد مساحات واسعة من الجنوب والهضاب، وإلى تحسين المناخ المحلي في المناطق الجبلية والريفية. كما يُنتظر أن تساهم العملية في تعزيز الأمن الغذائي عبر تشجيع غرس الأشجار المثمرة القادرة على التكيّف مع البيئة المحلية.
في جوهرها، تُجسّد مبادرة فؤاد معالى إرادة جماعية لردّ الاعتبار للطبيعة الجزائرية بعد سنواتٍ من التهميش والتدهور البيئي. ورغم أن المشروع انطلق من حلم شخصي بسيط، فإنه تحول بسرعة إلى حركة مواطنة تتقاطع فيها جهود المجتمع المدني والإدارات العمومية والأفراد العاديين الذين رأوا في الغرس فعل انتماء لا يقلّ قيمةً عن أي إنجاز سياسي أو اقتصادي.
قد يصف البعض المشروع بأنه “رهان طموح” أو “تحدٍ شبه مستحيل”، لكن فؤاد معالي يرى الأمر ببساطة مختلفة، “زرع مليون شجرة لا يعني شيئًا أمام ما تستطيع الإرادة أن تصنعه عندما تتوحد”. وربما في تلك العبارة تكمن روحه الحقيقية — روح الجدة التي كانت تسقي أشجارها في صباحات الأوراس الباردة، وإيمان حفيدها بأن الخضرة يمكن أن تعود إلى كل شبرٍ من هذه الأرض إذا امتدت إليها يد الإنسان لا لتأخذ، بل لتزرع.
هكذا يتحول حلم فردي إلى مشروع وطني عنوانه “مليون شجرة للجزائر”، ومضمونه أن حبّ الوطن يمكن أن يُعبّر عنه أيضًا بالماء والتراب والعرق، وأن الغابة التي تُزرع اليوم هي ميراث الغد للأجيال القادمة. فؤاد معالى ليس سياسيًا ولا رجل أعمال، لكنه واحد من أولئك الذين يزرعون المعنى في أرضٍ عطشى للرجاء، ويُذكّروننا بأن الطريق إلى المستقبل يبدأ دائمًا من غرسة صغيرة تُزرع بإيمان كبير.
اكتشاف المزيد من المؤشر
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
الجزائر تبدي استياءها من تحويل باريس لاتفاقيات 1968 إلى ورقة انتخابية
أعرب وزير الشؤون الخارجية أحمد عطاف عن استياء الجزائر من تصويت البرلمان الفرنسي ضد اتفاقيا…







