هل سرقة اللوفر مسرحية فرنسية ضد الجزائر؟
تبدو حادثة سرقة متحف اللوفر في باريس أشبه بعملية موجّهة إعلامياً أكثر منها جريمة كلاسيكية، إذ جاءت في توقيت سياسي وإعلامي حسّاس يوحي بأن الهدف منها يتجاوز حدود السرقة إلى محاولة إعادة توجيه بوصلة اليمين المتطرف واللوبي الصهيوني في فرنسا نحو الجزائر. فالتصريحات التي أدلى بها السياسي الفرنسي المثير للجدل إيريك زمور، المعروف بخطابه العنصري وعدائه التاريخي للجزائر، تؤكد أن الحادثة استُغلت لتغذية هذا المسار العدائي القديم بثوب جديد.
اللافت أن أحد المشتبه فيهم أُوقف وهو بصدد التوجه إلى الجزائر، في مشهد بدا وكأنه مُعدّ مسبقاً لإقحام اسم الجزائر في القضية، رغم أن الجميع يعلم أن المطارات الجزائرية تُعد من بين الأكثر أماناً على المستوى الدولي، وأن تهريب أعمال فنية أو مجوهرات بمثل هذا الحجم هو أمر مستحيل عملياً في ظلّ الإجراءات الصارمة المعمول بها. فالجمارك الجزائرية تحبط يومياً محاولات تهريب بسيطة — من مبالغ مالية غير مصرّح بها إلى بضائع محظورة — ويتم الإعلان عنها بانتظام في وسائل الإعلام الوطنية، ما يجعل من غير المنطقي تصور تمرير قطع فنية بقيمة عشرات الملايين من اليوروهات عبر التراب الجزائري.
هذه المعطيات دفعت محللين إلى الاعتقاد بأنّ القضية قد تكون جزءاً من سيناريو سياسي مُحاك بعناية من طرف جهات داخل فرنسا، ربما بدعم من دوائر استخباراتية، لتوريط الجزائر إعلامياً وتهيئة الرأي العام الفرنسي لإعادة إحياء الخطاب الاستعماري القديم ضدها. فـ”التحالف غير المعلن” بين تل أبيب وباريس والرباط ضد الجزائر، كما تصفه بعض القراءات السياسية، لا يبدو مرتاحاً لحالة الهدوء النسبي التي طبعت المواقف الفرنسية الأخيرة تجاه الجزائر، خصوصاً بعد انشغال باريس بملفاتها الداخلية وأزماتها الاقتصادية والسياسية، وصولاً إلى سجن الرئيس الأسبق نيكولا ساركوزي، أحد أبرز رموز النفوذ الصهيوني في فرنسا.
وفي خضم هذا المشهد، عاد إيريك زمور إلى واجهة الخطاب المتطرف، مهاجماً الجالية الجزائرية ومجدداً خطابه المعادي للإسلام والعرب، بالتزامن مع ظهور مجموعات متطرفة على شبكات التواصل الاجتماعي تمجّد منظمة OAS الإرهابية، التي ارتكبت جرائم بشعة ضد الجزائريين خلال الثورة، بل وحاولت تنفيذ انقلاب ضد الجنرال ديغول نفسه. هذه العودة المنظمة للخطاب الكولونيالي ولرموز العنف اليميني ليست مصادفة، بل تبدو حلقة من خطة أوسع هدفها تحويل الأنظار عن الأزمات الداخلية التي تهدد استقرار فرنسا، من الديون الخانقة إلى تراجع الثقة في الطبقة السياسية.
ولعلّ هذه الحملة أيضًا تغطي على فضائح سياسية وقضائية ضربت قلب الدولة الفرنسية، في وقت تتنامى فيه موجات السخط الشعبي ضد الحكومة الحالية. فحين تعجز السلطة عن معالجة أزماتها، تلجأ بعض الدوائر إلى خلق “عدو خارجي” يعيد توحيد الصفوف، والجزائر — بما تمثله من رمز استقلال ورفض للهيمنة — تبقى الهدف المفضل لذلك.
إن تشبيه سلوك زمور بما فعله وزير الخارجية الأمريكي الأسبق أنتوني بلينكن ومساعدته فيكتوريا نولاند في أوكرانيا ليس من فراغ، فكلاهما من أصول يهودية أوكرانية حملت حقداً تاريخياً تُرجم إلى تدخلات سياسية وعسكرية أشعلت حرباً مدمّرة. وبالمنطق ذاته، يمكن القول إن زمور، اليهودي من أصول جزائرية، يسعى إلى تصفية حسابات تاريخية مع الجزائر، مستخدماً أدوات الدعاية والإعلام لتأليب الرأي العام الفرنسي وتحضير الأرضية النفسية لمرحلة من التصعيد.
من هنا، تبدو سرقة متحف اللوفر حلقة في لعبة أكبر من مجرد جريمة فنية، لعبة تتقاطع فيها السياسة بالإعلام، والتاريخ بالعقيدة، والانتقام الشخصي بالمصالح الجيوسياسية. فالهدف ليس فقط تشويه الجزائر، بل تهيئة الرأي العام الفرنسي لقبول عودة الخطاب العدائي تجاهها تحت غطاء “الأمن القومي” و”مكافحة الجريمة العابرة للحدود”.
إن الجزائر التي واجهت الاستعمار، والإرهاب، وحملات التشويه لعقود، تدرك جيداً هذه الأساليب ولن تسقط في فخ الاستفزاز الإعلامي. فالحقائق، كما أثبت التاريخ، لا تُخفى طويلاً، والسرقة — مهما كانت محبوكة — لن تخفي الحقيقة الكبرى: أن الجزائر باتت اليوم شوكة في حلق كل مشروع استعماري قديم يُراد له أن يُبعث من جديد.
اكتشاف المزيد من المؤشر
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
الحكم الذاتي… الانتحار المبرمج لـ”مملكة الليوطي”
شرح وزير الدولة ووزير الشؤون الخارجية أحمد عطاف، في لقاء متلفز، كل حيثيات قرار مجلس الأمن،…







