‫الرئيسية‬ الأولى التطبيع الزاحف… والخطر القادم على الدول الرافضة
الأولى - الدولي - مقالات - ‫‫‫‏‫7 أيام مضت‬

التطبيع الزاحف… والخطر القادم على الدول الرافضة

التطبيع الزاحف... والخطر القادم على الدول الرافضة
يعود الحديث مجددًا عن مسار التطبيع السعودي الصهيوني على خلفية الزيارة المرتقبة لولي العهد محمد بن سلمان إلى واشنطن، وهي زيارة يُتوقع أن تُتوَّج بتوقيع معاهدة دفاع مشترك بين السعودية والولايات المتحدة، تلتزم بموجبها واشنطن بالدفاع عن المملكة في حال تعرضها لأي اعتداء، في صيغة تشبه المادة الخامسة من ميثاق الحلف الأطلسي. كما يُرجَّح أن تُعلن خلال الزيارة انضمام السعودية إلى اتفاقيات إبراهام التي أرست موجة التطبيع العربية مع “إسرائيل”، بعد أن تعطّل هذا المسار أكثر من مرة خلال السنوات الأخيرة.

ورغم التوقعات الكبيرة، لا تزال بعض البنود غامضة، خصوصًا ما إذا كانت الاتفاقية الدفاعية السعودية الأمريكية ستتضمّن الشرط الأمريكي القديم الذي ينصّ على وقف إمدادات النفط للصين في حال اندلاع حرب بينها وبين الولايات المتحدة. مثل هذا الشرط، إن وُجد، سيجعل من الرياض لاعبًا محوريًا في الاستراتيجية الأمريكية لمواجهة النفوذ الصيني في المنطقة.

وإذا ما تمّ إعلان التطبيع رسميًا، فإنّ معظم دول شبه الجزيرة العربية ستكون قد دخلت في علاقات علنية مع إسرائيل، باستثناء دولة الكويت التي لا تزال تحتفظ بموقف رافض وقوي لأي شكل من أشكال التطبيع، رغم الضغوط الإقليمية والدولية المتزايدة. أما بقية دول الخليج، فقد سبقت إلى هذا المسار، الإمارات والبحرين انضمتا إلى الاتفاقيات رسميًا، بينما عُمان استقبلت رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في زيارة معلنة، في إشارة إلى تقارب تدريجي متسارع.

وبانضمام السعودية، كأكبر قوة اقتصادية ودينية في الخليج، ستكسب “إسرائيل” حليفًا ذا تأثيرٍ مضاعف في العالمين العربي والإسلامي، ما قد يفتح الباب أمام تحولات فكرية ودينية في التيارات السلفية والوهابية، التي قد تتحول من مواقفها التقليدية الرافضة لإسرائيل إلى خطابٍ مهادن أو مبرّرٍ للتطبيع، بل وربما داعمٍ له بدعوى المصالح العليا أو “التعايش الإقليمي”.

كما أن تأثير هذا التحول لن يبقى داخل حدود الخليج، إذ يُحتمل أن تمارس الأنظمة العربية والإسلامية المطبِّعة ضغوطًا سياسية واقتصادية على الدول الرافضة للتطبيع، خدمةً للأجندة “الإسرائيلية” ورضوخًا للهيمنة الأمريكية. ويُخشى أن تتحول بعض السفارات في العواصم العربية والإفريقية إلى مراكز تنسيق استخباراتي تعمل على جمع المعلومات ومراقبة الأنشطة المناهضة للتطبيع، ما يشكل خطرًا أمنيًا مباشرًا على المعارضين للاتفاقيات الإبراهيمية وعلى استقرار الدول التي ترفض الانخراط في هذا المسار.

في المقابل، تتواصل محاولات تطبيع جديدة مع دولٍ كانت تُعدّ خارج هذا الإطار، منها النظام السوري الذي أعيد تأهيله سياسيًا بدفعٍ تركي و”إسرائيلي” غير مباشر، إلى جانب تصريحات من الرئيس اللبناني ميشال عون حول احتمال فتح قنوات تفاوض مع “إسرائيل”، وهو ما يعكس رغبة أطرافٍ غربية في إغلاق جميع الجبهات السياسية حول الكيان الصهيوني وإعادة صياغة المنطقة وفق مقاربة “السلام الاقتصادي”.

الخطورة في هذا المسار لا تكمن فقط في التطبيع ذاته، بل في التحول الإقليمي الجماعي نحو الدفاع عن “إسرائيل” أكثر مما تفعل “إسرائيل” نفسها، وتحويل الصراع العربي–الإسرائيلي إلى صراع بين من “تأخروا عن التطبيع” ومن “سبقوا إليه”.

وهكذا، يبدو أن التطبيع الزاحف الذي بدأ في عهد ترامب يسير بخطى ثابتة ليشمل دولًا جديدة في المرحلة القادمة، غير أن الثمن السياسي والأمني قد يكون باهظًا، خاصة على البلدان التي لا تزال متمسكة بمواقفها التاريخية الرافضة لأي علاقة مع الكيان الصهيوني. فبين إغراءات الحماية الأمريكية ومخاطر الاختراق “الإسرائيلي”، تقف المنطقة أمام معادلة جديدة، من يرفض التطبيع اليوم، قد يُحاصر غدًا، ليس فقط بالعزلة السياسية، بل بتهديدات أمنية صامتة تُدار من داخل الدوائر التي ترفع شعار “السلام الإبراهيمي”.


اكتشاف المزيد من المؤشر

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

اترك تعليق

‫شاهد أيضًا‬

الحكم الذاتي… الانتحار المبرمج لـ”مملكة الليوطي”

شرح وزير الدولة ووزير الشؤون الخارجية أحمد عطاف، في لقاء متلفز، كل حيثيات قرار مجلس الأمن،…