صفعة دبلوماسية جزائرية جديدة للرباط
اعتبر بعض الأصوات المتأثرة بالدعاية المخزنية أنّ إدخال خيار الحكم الذاتي، الذي طرحه المروك دون مضمون واضح، ضمن سلة المقترحات المتعلقة بتسوية قضية الصحراء الغربية، يُعد انتصاراً للرباط. وإذا كان من الطبيعي أن تحتفي الأوساط المقرّبة من النظام في المروك بهذه القراءة، فإن غير المفهوم هو انسياق بعض الجزائريين وراء خطاب دعائي يعرف الجميع أنه لا يتماشى مع الموقف الجزائري الثابت ولا مع الأسس القانونية التي يقوم عليها حق تقرير المصير للشعب الصحراوي. فمنذ بداية هذا الملف، ظلّت الجزائر متمسكة بخيارين واضحين، الانضمام إلى المروك أو الاستقلال، على أن يُترك الحسم للشعب الصحراوي عبر استفتاء حر، وهو موقف عبّر عنه الرئيس عبد المجيد تبون مراراً في خرجاته الإعلامية.
أما اعتبار إدراج فكرة الحكم الذاتي كخيار ثالث بأنه “فشل دبلوماسي جزائري”، فهو طرح متسرع يتجاهل السياق السياسي الحقيقي. فحتى المروك نفسه لا يقدّم هذا الأمر كـ“انتصار”، بل إن تصريحات ملك المروك في الفترة الأخيرة تُظهر بوضوح سعي الرباط إلى إدخال الجزائر كطرف مباشر في النزاع، خلافاً للمرجعيات الأممية. وهذا السعي لا يمكن فصله عن الوضع الداخلي الحساس الذي يعيشه المروك حالياً، لا سيما في ما يتعلق بمرحلة انتقال السلطة مستقبلاً، وحديث بعض الدوائر عن غياب توافق داخل الأسرة الحاكمة بشأن جاهزية ولي العهد لتولّي الحكم بعد محمد السادس.
ومع ذلك، فقد سارع بعض الجزائريين المتأثرين بالرواية الصادرة عن المروك إلى اعتبار مجرد إضافة خيار الحكم الذاتي مكسباً سياسياً للرباط، رغم أن هذا الخيار في حد ذاته أدنى سياسياً من خيار الانضمام إلى المروك نفسه، وهو مطروح أصلاً ضمن الخيارات التي قد تُعرض على الاستفتاء. والحقيقة أن هذه القراءات تقدم خدمة سياسية للمروك تفوق ما تقدمه وسائل إعلامه، وهو أمر لا يعبّر إطلاقاً عن الموقف الحقيقي للجزائريين داخل الوطن وخارجه.
وعلى العكس مما يروجه هؤلاء، حققت الدبلوماسية الجزائرية نجاحاً واضحاً حين نجحت في جعل خيار الحكم الذاتي واحداً من الخيارات الثلاثة التي يجب أن تُطرح على الاستفتاء، وبعد مفاوضات مباشرة بين المروك وجبهة البوليساريو كما أشار إليه قرار مجلس الأمن الأخير. كما تم تمديد مهمة بعثة المينورسو لمدة سنة كاملة، وهو ما لم تكن الرباط ترغب به. لذلك، يصبح السؤال مشروعاً، أين هو “الانتصار المزعوم للمروك”؟ بل إن الواقع يؤكد أن الجزائر تمكنت من صدّ ضغوط سياسية اعتمد عليها المروك، ومن بينها شبكات ضغط خارجية حاولت فرض مقاربة أحادية تخدم حسابات داخلية في القصر.
إن أزمة المؤسسة الحاكمة في المروك ليست في الصحراء الغربية بقدر ما هي في كيفية إقناع الشعب المروكي بإمكان استمرار الحكم في صورته الحالية، وإقناعه بقبول ملك جديد ما يزال في بدايات مساره. لكن الظروف الإقليمية والدولية لا تجري كما تريدها الرباط، ومن المؤكد أن الجزائر، بخبرتها العميقة في هذا الملف، ليست على استعداد لارتكاب أخطاء الماضي ولا لتكرار سيناريوهات سبق أن دفعت ثمنها.
اكتشاف المزيد من المؤشر
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
بوريطة يستنجد بالجزائر… والمخزن غارق في المتاهات والمخاطر
يعود وزير خارجية المروك ناصر بوريطة ليتحدث مجدداً عن فتح حوار بين الجزائر والمروك، مؤكداً …






