الرئيس تبون يراوغ باريس على طريقة محرز
عندما سارعت بعض وسائل الإعلام الفرنسية إلى الترويج للقاء مرتقب بين رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون والرئيس إيمانويل ماكرون في جنوب إفريقيا، على هامش قمة مجموعة العشرين، بدا وكأن هذه المنابر متيقّنة من حدوث اللقاء أكثر من الأطراف المعنية نفسها. الجزائر لم تؤكد الخبر، ليس تردّدًا، بل لأن لقاءات بهذا المستوى لا تُحسم وفق رغبات صحفية أو توقعات إعلامية، بل عبر قنوات دبلوماسية دقيقة ومسارات تفاوضية تراعي السيادة وتوازن العلاقات.
وجاء الحديث عن هذا اللقاء مباشرة بعد الإفراج عن الروائي بوعلام صنصال بعفو رئاسي، ما زاد من ثقة الإعلام الفرنسي بأن الموعد قد حُدّد سلفًا. لكن عدم مشاركة الرئيس تبون في قمة مجموعة العشرين فجّر المفاجأة، وكأن الأمر أشبه بمراوغة على طريقة رياض محرز في الدوري السعودي، الهدف سُجّل، والصورة وُثّقت، لكن لا أحد فهم بالضبط كيف حدث الأمر، رغم إعادة المشهد مرات عديدة.لمسها أم لم يلمسها
الرئيس تبون، وبأسلوب بالغ الدقة، لم يتوجّه إلى المكان الذي روّجت فيه الصحافة الفرنسية للقاء قبل أوانه، ما يجعل السؤال مطروحًا في أروقة الإليزيه: هل لمسها أم لم يلمسها؟ وكيف مرّت هذه “المراوغة الدبلوماسية” دون أن تلتقطها الأجهزة الإعلامية التي كانت تتصرف وكأن اللقاء تحصيل حاصل؟
من الواضح أن رئيس الجمهورية لا ينظر بعين الرضا إلى الأسلوب الذي بات يطغى على الخطاب الإعلامي في بعض المنابر الفرنسية، وما يصاحبه أحيانًا من تجاوزات في تناول ملفات تتعلق بالجزائر. ومن الطبيعي أن لا تختلف المقاربة الجزائرية عن موروثها الدبلوماسي الصارم، القائم على احترام السيادة والتحفّظ في الملفات الحساسة. وقد سبقت في تاريخ الجزائر مواقف مشابهة تؤكد هذا النهج؛ فالرئيس الراحل هواري بومدين كان يصرّ على أن الحجر الذي يُنصب علامة حدودية يجب أن يُتفاوض على موقعه بدقة، لأنه رمز لسيادة دولة، لا مجرد تفصيل إداري.
في هذا السياق، يبدو أن تسريب خبر لقاء مفترض بين رئيسي البلدين لا ينسجم مع الأعراف الدبلوماسية، ولا مع الطريقة التي تُدار بها العلاقات بين الدول. فهذه اللقاءات لا تُعلن قبل اكتمال التحضيرات، ولا يسبق الإعلامُ المؤسساتِ في هذا النوع من المحطات. ومن الطبيعي أن تتمسك الجزائر بهذا المبدأ، لا سيما حين يتعلق الأمر بعلاقات مع دولة تحمل معها إرثًا ثقيلًا وحساسًا.
سواء “لمسها أو ما لمسها”، المهم أن الرسالة وصلت، الجزائر لا تُدار من خلال التكهنات الإعلامية، ولا تُفرض عليها مواعيد أو لقاءات عبر تسريبات. والدرس، على ما يبدو، استوعبته باريس وصحافتها التي ربما ستعيد حساباتها في كيفية تناولها للعلاقات الثنائية.
الرئيس تبون يفضّل اللقاءات الجادة التي تُفضي إلى نتائج، لا الاستعراضات الإعلامية. والجزائر اليوم، بجدول أعمالها المكثف وعلاقاتها المتشابكة إقليميًا ودوليًا، لا تتعامل بمنطق الاستعجال ولا تحت ضغط المناسبات. إنها تعتمد وتيرة هادئة لكنها ثابتة، وتعرف تمامًا متى تتحرك وكيف، بما يضمن مصالحها ويحفظ سيادتها.
اكتشاف المزيد من المؤشر
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
ترامب يمهل كييف أيامًا لحسم موقفها من خطته للسلام
تداولت عدة وسائل إعلام دولية وتقارير سياسية معلومات مفادها أنّ الرئيس الأمريكي دونالد ترام…






