‫الرئيسية‬ الأولى رحيل أول امرأة جزائرية تقود طائرة مقاتلة: المقدم عربية بن يحيى في ذمة الله
الأولى - الحدث - الوطني - ‫‫‫‏‫8 دقائق مضت‬

رحيل أول امرأة جزائرية تقود طائرة مقاتلة: المقدم عربية بن يحيى في ذمة الله

رحيل أول امرأة جزائرية تقود طائرة مقاتلة: المقدم عربية بن يحيى في ذمة الله
ودّعت الجزائر واحدة من أبرز رموزها العسكرية بوفاة المقدّم عربية بن يحيى، أول امرأة جزائرية تتولى قيادة طائرة مقاتلة في صفوف القوات الجوية للجيش الوطني الشعبي، عن عمر ناهز ثمانية وستين عاماً. وقد خلّف رحيلها صدى واسعاً من الحزن والتقدير داخل الأسرة العسكرية وخارجها، لما تمثله مسيرتها من علامة فارقة في تاريخ حضور المرأة داخل المؤسسة العسكرية الجزائرية.

نشأت عربية بن يحيى في فترة كانت فيها مشاركة النساء في المهام العملياتية داخل الجيش شبه منعدمة، لكنها اختارت طريقاً مختلفاً تماماً، مدفوعة برغبة قوية في خدمة الوطن من مواقع طموحة وغير مألوفة. التحقت بصفوف الجيش الوطني الشعبي وهي في سنّ مبكرة، وواجهت منذ البداية تحديات جسيمة في بيئة شديدة الصرامة والانضباط، لكنها استطاعت بفضل إرادتها القوية وقدرتها على التحمّل أن تجتاز كل الاختبارات بنجاح.

وقد مثّل قبولها في مدرسة الطيران العسكري حدثاً استثنائياً في حد ذاته، إذ كانت أول امرأة تلتحق بمسار تكويني موجّه للطيارين الحربيين. وخلال مرحلة التدريب، أثبتت كفاءة عالية في استيعاب مبادئ الملاحة الجوية وتقنيات القيادة القتالية، وأشاد أساتذتها بقدرتها على العمل تحت الضغط وبانضباطها الشديد. وعندما جلست لأول مرة داخل قمرة قيادة طائرة مقاتلة، دخلت التاريخ كأول امرأة جزائرية تحقق هذا الإنجاز في سلاح الجو.

وخلال مسيرتها المهنية الطويلة، راكمت المقدم عربية بن يحيى ساعات طيران واسعة على طائرات مقاتلة مختلفة، وشاركت في عدد من المناورات الجوية والتمارين التكتيكية التي تتطلب احترافية عالية وأداءً دقيقاً. وتميزت بأخلاقيات مهنية صارمة، جعلتها من أكثر الضابطات احتراماً داخل صفوف القوات الجوية. ومع مرور السنوات، تحوّلت إلى واحدة من الكفاءات التي يُعتمد عليها في تكوين الطيارين الشباب، إذ أشرفت على تدريب وتأهيل العديد منهم، وكانت حاضرة في لجان تقييم الأداء وفي إعداد البرامج التدريبية.

ورغم الطابع الذكوري الشديد للمجال الذي اقتحمته، استطاعت المقدم عربية بن يحيى أن تغيّر النظرة النمطية تجاه قدرات النساء داخل المؤسسة العسكرية. فقد شكّلت نموذجاً ملهماً للجزائريات اللواتي أعربن عن رغبتهن في ولوج تخصصات عسكرية وتقنية متقدمة. وأسهم نجاحها في تعزيز مسار فتح أبواب الالتحاق بالوحدات الجوية والهندسية أمام العنصر النسوي، ما جعل حضور النساء في التكوين العسكري التقني أكثر قبولاً وتشجيعاً خلال السنوات اللاحقة.

وبعد تقاعدها من الخدمة، واصلت المقدم عربية بن يحيى عطائها المهني من خلال المشاركة في التأطير داخل الهياكل التكوينية التابعة للقوات الجوية. كما ساهمت في إعداد مواد بيداغوجية وتوجيهية لفائدة الطلبة الطيارين، وظلت مرجعاً مهنياً يُستأنس بخبرته في إعداد البرامج المتعلقة بالسلامة الجوية وأخلاقيات المهنة.

ومع إعلان خبر وفاتها، توالت عبارات التأبين من زملائها في السلاح ومن الطيارين الذين أشرفت على تدريبهم، حيث وصفها الكثيرون بأنها “ضابط محترف من الطراز الأول”، و“امرأة صنعت تاريخاً جديداً للجيش الجزائري بجهدها وصبرها”. وأكدوا أن تأثيرها في تطوير العنصر البشري داخل القوات الجوية سيظل قائماً، وأن بصمتها المهنية ستبقى حاضرة لسنوات طويلة.

ترحل المقدم عربية بن يحيى بعد مسيرة حافلة بالعطاء والالتزام، تاركة إرثاً معنوياً ومهنياً سيبقى خالداً في الذاكرة العسكرية الجزائرية. فقد أثبتت أن الإصرار قادر على تجاوز الحدود، وأن المرأة الجزائرية تستطيع أن تبلغ أعلى المراتب حتى في أكثر التخصصات تعقيداً. ويبقى اسمها محفوراً كأول جزائرية حلّقت بطائرة مقاتلة في سماء الوطن، وكمثال نادر للشجاعة والانضباط والتفاني.

رحم الله المقدم عربية بن يحيى وأسكنها فسيح جناته، وجزاها عن الجزائر خير الجزاء.


اكتشاف المزيد من المؤشر

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

اترك تعليق

‫شاهد أيضًا‬

وقف الاستيراد الجماعي للمركبات أقل من ثلاث سنوات

أعلنت وزارة التجارة وترقية الصادرات، اليوم الاثنين، إنهاء العمل بالاستيراد الجماعي للمركبا…