GenZ 212 تفجّر الشارع المغربي… وتهز عرش الملك!
شارك المئات من الشباب المغاربة، أغلبهم من جيل “الجيل زد”، في مظاهرات سلمية غير مسبوقة خلال عطلة نهاية الأسبوع الأخير من سبتمبر 2025، استجابة لدعوات أطلقتها مجموعة ناشئة عبر الإنترنت تحمل اسم GenZ 212.
انطلقت الدعوات من منصة “ديسكورد”، وسرعان ما تحولت إلى حشود في شوارع الرباط والدار البيضاء ومراكش وأكادير وسوق السبت، مطالبةً بإصلاح قطاعي الصحة والتعليم، وهما أكثر القطاعات معاناةً وتدهورًا في المغرب. لكنّ هذه الأصوات التي رفعت مطالب اجتماعية مشروعة وقوبلت بالعنف والاعتقالات، كشفت عن شرخ عميق بين الشارع والدولة، وأرسلت رسالة واضحة بأنّ العرش لم يعد محصّنًا من غضب الناس.
في الرباط وحدها، أكدت الجمعية المغربية لحقوق الإنسان أنّ قوات الأمن اعتقلت أكثر من مئة شاب يوم الأحد 28 سبتمبر، فيما جرى توقيف عشرات آخرين في مدن مختلفة. وكان اليوم السابق قد شهد أيضاً موجة اعتقالات واسعة، قبل أن يُطلق سراح أغلب الموقوفين لاحقاً. السلطات الرسمية التزمت الصمت، لكن الصمت هذه المرة كان أثقل من أي تصريح، لأنه فُهم على أنه عجز عن مواجهة الحقيقة: أن جيلًا جديدًا، مسلحًا بالوعي والقدرة على التنظيم عبر الفضاء الرقمي، لم يعد يقبل بالوعود الفارغة، وأنه يطالب الآن بإصلاحات ملموسة وعاجلة.
ما أشعل جذوة الغضب الشعبي هو الفاجعة التي شهدها مستشفى عمومي في مدينة أكادير، حيث توفيت ثماني نساء حوامل خلال عمليات قيصرية. هذه الكارثة الإنسانية هزّت الضمير الجمعي للمغاربة، وكشفت بجلاء انهيار المنظومة الصحية العمومية. ورغم إقالة مدير المستشفى وعدد من المسؤولين المحليين، وفتح تحقيق داخلي مع الإعلان عن استثمارات عاجلة، فإنّ الشارع لم يقتنع بأنّ الأمر مجرد خلل إداري يمكن إصلاحه بقرارات فوقية، بل اعتبره انعكاسًا لبنية متآكلة وفساد مستشري يُهدد حياة الناس.
الحراك الشبابي لم يقتصر على الرباط وأكادير، بل امتد إلى مراكش والدار البيضاء ومدن أخرى، وأخذ طابعًا سلمياً منذ البداية. مجموعة GenZ 212 أكدت أنّ هدفها هو النقاش حول التعليم والصحة والفساد، وأعلنت حبها للوطن ورفضها لأي عنف. لكنّ الرد الأمني جاء عكس ذلك تمامًا: مطاردات في الشوارع، منع للتجمعات، واعتقالات جماعية. هنا تطرح الأسئلة نفسها: لماذا تُقابل مطالب اجتماعية عادلة بالهراوات؟ ومن يخشى صوت الشباب إذا كان الدستور نفسه يكفل حق التظاهر السلمي؟
إنّ خطورة هذه الموجة من الاحتجاجات تكمن في طبيعتها الجديدة، فهي لا تأتي من حزب معارض يمكن احتواؤه أو مساومته، ولا من نقابة يمكن التفاوض معها، بل من جيل رقمي لا رأس له ولا هرمية تنظيمة، ما يجعل السيطرة عليه أكثر صعوبة. إنّه جيل متصل بشبكات التواصل، متحرر من الولاءات التقليدية، ويعرف كيف يوصل صوته في الداخل والخارج. ولأول مرة منذ سنوات، يجد النظام نفسه في مواجهة غضب شعبي عفوي لا يمكن التنبؤ بمساره.
لقد أثبتت الأحداث الأخيرة أنّ العرش المغربي ليس بمنأى عن الهزات الاجتماعية. فحين يصرخ الشباب في الشوارع مطالبين بالكرامة، وحين تُواجه أصواتهم بالقمع بدل الحوار، فإنّ الرسالة التي تصل إلى القصر واضحة، شرعية الحكم مهددة إذا استمرت الهوة بين الدولة ومواطنيها. إنّ الاحتجاجات الأخيرة لم تهز فقط الشوارع، بل هزّت عرش الملك نفسه، وأظهرت أنّ استمرار الأوضاع من دون إصلاحات جذرية قد يقود إلى زلزال سياسي لا يمكن احتواؤه.
المغزى من كل ما جرى أنّ المغرب يقف أمام لحظة فارقة، إما أن يُفتح باب الإصلاح الحقيقي، بإرادة سياسية تُعيد الثقة وتستجيب لمطالب الشباب في الصحة والتعليم والعدالة الاجتماعية، أو أن يُختار طريق القمع والإنكار، وهو طريق أثبت التاريخ في المنطقة أنه لا يؤدي إلا إلى تعميق الأزمات وإضعاف أسس الحكم. شباب “الجيل زد” أثبتوا أنهم ليسوا مجرد متابعين سلبيين، بل قوة اجتماعية قادرة على قلب المعادلة. وما حدث في سبتمبر 2025 هو الدليل الأوضح: عرش الملك لم يعد محصناً أمام زخم الشارع.
اكتشاف المزيد من المؤشر
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.







