حين تقترب الحرب من المجهول.. الرد الروسي بين العقيدة العسكرية والانفجار النووي
تبدو الحرب الروسية الأوكرانية، بعد ما بات يعرف بـ”عملية العنكبوت”، وكأنها تخطو بثبات نحو أخطر مراحلها منذ اندلاعها. فقد شكّل الهجوم الأوكراني غير المسبوق على قواعد جوية روسية استراتيجية، وعلى مسافة تفوق 4000 كلم من حدود المعارك، صدمة مزدوجة لموسكو: عسكرية في عمق العقيدة الدفاعية، ونفسية داخل الرأي العام الروسي.
جاء الرد الروسي سريعًا ومكثفًا، حيث طالت الضربات معظم الأراضي الأوكرانية، مستهدفة مصانع السلاح، ومراكز تجميع الطائرات المسيرة، ومنشآت صيانة محركات الطائرات الحربية، خاصة “ميغ 29”. وقد بثّت القنوات الروسية صورًا للضربات الجوية، في رسالة مزدوجة إلى الداخل والخارج: ردّ الدولة حاضر، والخطوط الحمراء لم تعد كما كانت.
لكن خلف هذا الرد، تبرز مؤشرات أكثر خطورة. فالدقة العالية التي نُفذت بها عملية العنكبوت، أثارت تساؤلات جادة لدى الروس، من أين لأوكرانيا بهذه القدرة الاستخباراتية والتكنولوجية؟ وهو ما جعل الحديث عن “الدعم الغربي المباشر” يأخذ بُعدًا رسميًا في الخطاب الروسي، ويرتقي إلى مستوى “الانخراط الغربي الفعلي في استهداف السيادة الروسية”.
ومع توالي تصريحات المراقبين والخبراء، بدأ الحديث عن مرحلة جديدة من التصعيد، قد تشمل استهداف السفن الروسية في البحر الأسود والمحيطات، وربما استدراج موسكو إلى استخدام السلاح غير التقليدي، وهو ما يعتبره كثير من الاستراتيجيين “المرحلة ما قبل النووية” في منطق الردع الروسي.
ما يزيد من جدية هذا الطرح، هو التلويح الروسي غير المسبوق باستخدام أسلحة ردع ضد دول بعينها في أوروبا، على رأسها بريطانيا، فرنسا، وألمانيا. فقد تحدثت موسكو علنًا عن نيتها ضرب أقمار صناعية أوروبية مستخدمة في الاتصالات والاستخبارات، في حال تواصل الدعم العسكري النوعي لكييف.
وفي هذا السياق، لا يمكن عزل التغير اللافت في الموقف الأمريكي. انسحاب واشنطن التدريجي من المستنقع الأوكراني، كما يصفه بعض المحللين، لم يكن قرارًا مزاجيًا أو تكتيكيًا، بل إدراكًا لخطر حقيقي بات يهدد الأمن القومي الأمريكي، في حال تطور الحرب إلى مواجهة مفتوحة مع قوة نووية بحجم روسيا.
في موازاة ذلك، يتعاظم الحديث الروسي عن السيطرة على مدينة أوديسا، الميناء الأهم على البحر الأسود. هذا الهدف، في حال تحقق، سيعني محاصرة أوكرانيا بالكامل بحريًا، وتجريدها من أي منفذ مائي، وتحويلها إلى دولة محاصرة بريًا وبحريًا وجويًا. وهو ما يعكس التحول الاستراتيجي في أهداف موسكو: من مجرد “عملية عسكرية خاصة” إلى شلّ أوكرانيا، وربما تفكيكها كليًا.
ولعل أخطر ما في هذه المرحلة هو الانزلاق الخطابي الواضح نحو تبرير استعمال السلاح النووي التكتيكي أو الاستراتيجي، ضمن منطق “الخطر الوجودي” الذي باتت تمثله أوكرانيا، وفق التصور الروسي. والمثير أن هذا التبرير لم يعد يقتصر على شخصيات متطرفة في الإعلام الروسي، بل بات يتردد حتى في أوساط دبلوماسية روسية سابقة وحالية.
في المقابل، تصر العواصم الغربية على دعم كييف “مهما كلف الثمن”، وهي معادلة قد تُدخل أوروبا في كارثة جيوسياسية مفتوحة. إذ أن توسيع رقعة الحرب جغرافيًا، عبر استهداف دول أوروبية مجاورة، أو تكنولوجيًا من خلال تدمير البنى التحتية الفضائية، لم يعد سيناريو خياليًا، بل احتمالًا حقيقيًا إذا لم تُضبط وتيرة التصعيد.
ووسط كل ذلك، يبدو أن مناعة الإنسانية أمام الانفجار الشامل باتت أضعف من أي وقت مضى. وإذا ما استمرت قوى القرار الغربي في تجاهل الدعوات للسلام ووقف التصعيد، فإن الحرب قد لا تبقى داخل الحدود الأوكرانية، بل ستمتد لتضرب عمق أوروبا، وربما أبعد من ذلك. والغرب، وهو يدرك تمامًا أن روسيا لن تقبل الهزيمة، يبدو وكأنه يدفع بالعالم نحو حافة العدم. فهل تُفتح نافذة للعقل… قبل أن تُفتح بوابة الجحيم؟ #التصعيد_الروسي_الأوكراني
اكتشاف المزيد من المؤشر
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
الجزائر لا تُنسى… ومن يتجاهلها يُخطئ في حقّ الوفاء
صرّح ممثل حركة “حماس” في الجزائر، للإذاعة الجزائرية الدولية، بشأن التصريحات ال…